شبب بجاريته أو زوجته، فوجهان، أحدهما: يجوز ولا ترد شهادته، وهذا القائل يقول: إذا لم تكن المرأة معينة، لا ترد شهادته لاحتمال أنه يريد من تحل له، والصحيح أن ترد شهادته إذا ذكر جاريته أو زوجته بما حقه الاخفاء، لسقوط مروءته.
ولو كان يشبب بغلام، ويذكر أنه يعشقه، قال الروياني: يفسق وإن لم يعينه، لان النظر إلى الذكور بالشهوة حرام بكل حال. وفي التهذيب وغيره اعتبار التعيين في الغلام كالمرأة. وإن كان يمدح الناس ويطري، نظر إن أمكن حمله على ضرب مبالغة، جاز، وإن لم يكن حمله على المبالغة وكان كذبا محضا، فالصحيح الذي عليه الجمهور وهو ظاهر نصه أنه كسائر أنواع الكذب، فترد شهادته إن كثر منه، وقال القفال، والصيدلاني: لا يلحق بالكذب، لأن الكاذب يوهم الكذب صدقا بخلاف الشاعر، فعلى هذا لا فرق بين قليله وكثيره، وهذا حسن بالغ، وينبغي أن يقال على قياسه: إن التشبيب بالنساء والغلمان بغير تعيين لا يخل بالعدالة وإن كثر منه، لان التشبيب صنعة، وغرض الشاعر تحسين الكلام لا تحقيق المذكور، وكذلك ينبغي أن يكون الحكم لو سمى امرأة لا يدري من هي.
فرع ما حكمنا بإباحته في هذه الصورة قد يقتضي الاكثار منه رد الشهادة، لكونه خارما للمروءة فمن داوم على اللعب بالشطرنج والحمام، ردت شهادته وإن لم يقترن به ما يوجب التحريم، لما فيه من ترك المروءة، وكذا من داوم على الغناء أو سماعه وكان يأتي الناس ويأتونه، أو اتخذ جارية أو غلاما ليتغنيا للناس، وكذا المداومة على الرقص، وضرب الدف، وكذا إنشاد الشعر، واستنشاده إذا أكثر منه، فترك به مهماته، كان خارما للمروءة، ذكره الامام، قال: وكذا لو كان الشاعر يكتسب بشعره. والمرجع في المداومة والاكثار إلى العادة، ويختلف الامر فيه بعادات النواحي والبلاد، ويستقبح من شخص قدر لا يستقبح من غيره، وللأمكنة فيه أيضا تأثير، فاللعب بالشطرنج في الخلوة مرارا لا يكون كاللعب به في سوق مرة على ملا من الناس، وهل يقال على هذا: لما استمرت العادة أن الشاعر يكتسب بشعره وعد صنعة الغناء حرفة ومكسبا، فالاشتغال به ممن يليق بحاله، لا يكون تركا للمروءة؟ وكلام الأصحاب محمول على ما لا يليق به، وقد رأيت ما ذكرته في الشاعر يكتسب بشعره لابن القاص.