الثاني فنقدم عليه مقدمة فيما يمتاز به أحد القسمين على الثاني وفي فروع تتعلق بالحكم.
أعلم أن صيغ الحكم في قوله: حكمت على فلان لفلان بكذا، وألزمته لما سبق في الأدب الخامس من الباب الثاني، فلو قال: ثبت عندي كذا بالبينة العادلة، أو صح، فهل هو حكم؟ فيه وجهان أحدهما: نعم، لأنه إخبار عن تحقيق الشئ جزما وأصحهما لا، لأنه قد يراد به قبول الشهادة، واقتضاء البينة صحة الدعوى، فصار كقوله: سمعت البينة وقبلتها ولان الحكم هو الالزام، والثبوت ليس بإلزام.
وأما ما يكتب على ظهور الكتب الحكمية وهو: صح ورود هذا الكتاب علي، فقبلته قبول مثله، وألزمت العمل بموجبه، فليس بحكم لاحتمال أن المراد تصحيح الكتاب، وإثبات الحجة، ولا يجوز الحكم على المدعى عليه إلا بعد سؤال المدعي على الأصح، وهل يصح أن يلزم القاضي الميت بموجب إقراره في حياته؟ وجهان.
ويشترط تعيين ما يحكم به، ومن يحكم له، لكن قد يبتلى القاضي بظالم يريد ما لا يجوز، ويحتاج إلى ملاينته، فرخص له دفعه بما يوهم أنه أسعفه بمراده. مثاله:
أقام خارج بينة وداخل بينة، والقاضي يعلم فسق بينة الداخل، ولكنه يحتاج إلى ملاينته، وطلب الحكم بناء على ترجيح بينة الداخل، فيكتب: حكمت بما هو مقتضى الشرع في معارضة بينة فلان الداخل، وفلان الخارج، وقررت المحكوم به في يد المحكوم له، وسلطته عليه، ومكنته من التصرف فيه إذا ثبتت هذه المقدمة، فإذا لم يحكم القاضي، وأنهى ما جرى من الدعوى والبينة بالكتاب، سمي بذلك كتاب نقل الشهادة، وكتاب التثبيت، أي: تثبيت الحجة. وينص على الحجة، فيذكر أنه قامت عنده بينة أو شاهد ويمين، أو نكل المدعى عليه، وحلف المدعي، وإنما ينص على الحجة، ليعرف المكتوب إليه تلك الحجة، فقد لا يرى بعض ذلك الحجة، وهل يجوز أن يكتب بعلم نفسه ليقضي به المكتوب إليه؟ قال في العدة:
لا يجوز وإن جوزنا القضاء بالعلم، لأنه ما لم يحكم به هو كالشاهد والشهادة لا تتأدى بالكتابة. وفي أمالي السرخسي جوازه، ويقضي به المكتوب إليه إذا جوزنا القضاء بالعلم. وإذا كتب بسماع البينة، فليسم الشاهدين، والأولى أن يبحث عن