فرع المقدم بالسبق أو القرعة لا يقدم إلا في دعوى واحدة، لئلا يطول على الباقين، فإن كان له دعوى أخرى، فليحضر في مجلس آخر، أو ينتظر فراغ القاضي من حكومات سائر الحاضرين، وحينئذ تسمع دعواه الثانية إن لم يضجر القاضي، ولا فرق بين أن تكون الدعوى الثانية والثالثة على الذي ادعى عليه الدعوى الأولى أو على غيره، وفيه وجه ضعيف أن الزيادة على الأولى مسموعة إذا اتحد المدعى عليه، وعلى هذا قال في الوسيط: تسمع إلى ثلاث دعاوى، ومنهم من أطلق، ولا خلاف أنه يسمع على المدعى عليه دعوى ثان وثالث، لأن الدعوى للمدعي وقد تعدد، ونقل ابن كج هنا وجهين غريبين ضعيفين أحدهما: أن المقدم بدعوى لا تسمع منه الثانية إلا في مجلس آخر، وإن فرغ القاضي من دعاوي الحاضرين، وعليهم بعد ذلك ترفيهه. الثاني: لا يسمع على الواحد إلا دعوى شخص واحد. وأما المقدم بالسفر، فيحتمل أن لا يقدم إلا بدعوى، ويحتمل أن يقدم بجميع دعاويه، لأن سبب تقديمه أن لا يتخلف عن رفقته، ويحتمل أن يقال: إذا عرف أن له دعاوى، فهو كالمقيمين، لأن تقديمه بالجميع يضر غيره، وتقديمه بدعوى لا يحصل الغرض.
قلت: الأرجح أن دعاويه إن كانت قليلة، أو ضعيفة بحيث لا يضر بالباقين إضرارا بينا، قدم بجميعها، وإلا فيقدم بواحدة، لأنها مأذون فيها، وقد يقنع بواحدة، ويؤخر الباقي إلى أن يخصه. والله أعلم.
الخامسة: تنازع الخصمان، وزعم كل واحد أنه هو المدعي، نظر إن سبق أحدهما إلى الدعوى، لم يلتفت إلى قول الآخر: إني كنت المدعي، بل عليه أن يجيب ثم يدعي إن شاء. وإن لم يسبق وتنازعا، سأل العون، فمن أحضره العون فهو المدعى عليه، فيدعي الآخر عليه، وكذا لو قامت بينة لأحدهما أنه أحضر الآخر ليدعي عليه، وإن استوى الطرفان، أقرع، فمن خرجت قرعته ادعى، وقيل: يقدم القاضي أحدهما باجتهاده.