الامام القاضي من مال نفسه، أو رزقه أهل ولايته، أو واحد منهم فالذي خرجه صاحب التلخيص أنه لا يجوز له قبوله، وقد سبق في الاذان أنه يجوز أن يكون رزق المؤذن من مال الإمام، أو أحد الرعية، ويجوز أن يفرق بأن ذلك لا يورث تهمة وميلا في المؤذن بخلاف القاضي، وكما يرزق الامام القاضي من بيت المال يرزق أيضا من يرجع مصلحة عمله إلى عامة المسلمين كالأمير والمفتي والمحتسب، وإمام الصلاة والمؤذن، ومن يعلم الناس القرآن، ومن يقيم الحدود والقاسم، وكاتب الصكوك، فإن لم يكن في بيت المال شئ، لم يعين قاسما ولا كاتبا لئلا يغالي بالأجرة وألحق بهؤلاء المقوم، وفي المترجم وجهان، أصحهما: يرزق من بيت المال كهؤلاء، والثاني: لا، كالوكيل قاله ابن القاص، وأبو زيد، وعلى هذا فمؤنة ما يترجم به للمدعى عليه على المدعى عليه، والمسمع كالمترجم، ففي مؤنته الوجهان، وهما جاريان في المزكي، والقول في الشاهد يأتي في الشهادات إن شاء الله تعالى.
الأدب الرابع: يستحب أن يكون مجلس القضاء فسيحا بارزا نزها لا يؤذي فيه حر ولا برد وريح وغبار ودخان، فيجلس في الصيف حيث يليق به، وكذا في الشتاء وزمن الرياح، واستحب أبو عبيد بن حربويه وغيره من الأصحاب أن يكون موضع جلوسه مرتفعا كدكة ونحوها ليسهل عليه النظر إلى الناس، وعليهم المطالبة، وحسن أن يوطأ له الفراش، وموضع الوسادة، ليعرفه الداخل، ويكون أهيب عند الخصوم، وأرفق بالقاضي لئلا يمل، والمستحب أن يكون مستقبل القبلة، ولا يتكئ، ويستحب أن لا يتخذ المسجد مجلسا للقضاء، فإن اتخذ، كره على الأصح، لأنه ينزه عن رفع الأصوات، وحضور الحيض، والكفار والمجانين