قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل) وإن وجب التغريب نفى إلى مسافة يقصر فيها الصلاة، لان ما دون ذلك في حكم الموضع الذي كان فيه من المنع من القصر والفطر والمسح على الخف ثلاثة أيام، فان رجع قبل انقضاء المدة رد إلى الموضع الذي نفى إليه، فإن انقضت المدة فهو بالخيار بين الإقامة وبين العود إلى موضعه، وإن رأى الامام أن ينفيه إلى أبعد من المسافة التي يقصر فيها الصلاة كان له ذلك لان عمر رضي الله عنه غرب إلى الشام وغرب عثمان رضي الله عنه إلى مصر، وان رأى أن يزيد على سنة لم يجز، لان السنة منصوص عليها والمسافة مجتهد فيها.
وحكى عن أبي علي بن أبي هريرة أنه قال يغرب إلى حيث ينطلق عليه اسم الغربة، وإن كان دون ما تقصر إليه الصلاة، لان القصد تعذيبه بالغربة وذلك يحصل بدون ما تقصر إليه الصلاة ولا تغرب المرأة الا في صحبة ذي رحم محرم أو امرأة ثقة في صحبة مأمونة، وان لم تجد ذا رحم محرم ولا امرأة ثقة يتطوع بالخروج معها استؤجر من يخرج معها ومن أين يستأجر فيه وجهان، من أصحابنا من قال يستأجر من مالها، لأنه حق عليها فكانت مؤنته عليها، وان لم يكن لها مال استؤجرت من بيت المال. ومن أصحابنا من قال يستأجر من بيت المال، لأنه حق لله عز وجل فكانت مؤنته من بيت المال، فإن لم يكن في بيت المال ما يستأجر به استؤجر من مالها.
(الشرح) أثر عمر وأثر عثمان أخرجه البيهقي في السنن الكبرى.
قوله (مسرف الحر) أي مفرط في شدة الحر، وأصل السرف ضد القصد واختلفوا في التغريب مع الجلد فقال أبو حنيفة وأصحابه لا تغريب أصلا.
وقال الشافعي لا بد من التغريب مع الجلد لكل زان ذكرا أو أنثى حرا كان أو عبدا وقال مالك يغرب الرجل ولا تغرب المرأة، به قال الأوزاعي، ولا تغريب عند مالك على العبيد فعمدة من أوجب التغريب على الاطلاق حديث عبادة ابن الصامت وفيه البكر بالبكر.. الخ. وكذلك حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني في الباب. ومن خصص المرأة من هذا العموم فإنما خصصه بالقياس،