النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إقامة الحد في المسجد، ولأنه لا يؤمن أن يشق الجلد بالضرب فيسيل منه الدم أو يحدث من شدة الضرب فينجس المسجد.
وإن أقيم الحد في المسجد سقط الفرض لان النهى لمعنى يرجع إلى المسجد لا إلى الحد فلم يمنع صحته، كالصلاة في الأرض المغصوبة.
(فصل) إذا زنى دفعات حل للجميع حدا واحدا، وكذلك ان سرق دفعات أو شرب الخمر دفعات حد للجميع حدا واحدا، لان سببها واحد فتداخلت، وان اجتمعت عليه حدود بأسباب بأن زنى وسرق وشرب الخمر وقذف لم تتداخل لأنها حدود وجبت بأسباب فلم تتداخل، وان اجتمع عليه الجلد في حد الزنا والقطع في السرقة، أو في قطع الطريق قدم حد الزنا، تقدم الزنا أو تأخر لأنه أخف من القطع، فلما تقدم أمكن استيفاء القطع بعده، وإذا قدم القطع لم يؤمن أن يموت منه فيبطل حد الزنا، وان اجتمع عليه مع ذلك حد الشرب أو حد القذف قدم حد الشرب وحد القذف على حد الزنا، لأنهما أخف منه، وأمكن للاستيفاء. وان اجتمع حد الشرب وحد القذف ففيه وجهان.
(أحدهما) أنه يقدم حد القذف لأنه للآدمي (والثاني) أنه يقدم حد الشرب وهو الصحيح لأنه أخف من حد القذف، فإذا أقيم عليه حد لم يقم عليه حد آخر حتى يبرأ من الأول، لأنه إذا توالى عليه حدان لم يؤمن أن يتلف، وان اجتمع عليه حد السرقة والقطع في قطع الطريق قطعت يمينه للسرقة وقطع الطريق، ثم تقطع رجله لقطع الطريق، وهل تجوز الموالاة بينهما فيه وجهان:
(أحدهما) أنه تجوز لان قطع الرجل مع قطع اليد حد واحد فجاز الموالاة بينهما (والثاني) أنه لا يجوز قطع الرجل حتى تندمل اليد، لان قطع الرجل لقطع الطريق وقطع اليد للسرقة وهما سببان مختلفان فلا يوالي بين حديهما، والأول أصح، لان اليد تقطع لقطع الطريق أيضا، فأشبه إذا قطع الطريق ولم يسرق وإن كان مع هذه الحدود قتل فإن كان في غير المحاربة أقيمت الحدود على ما ذكرناه من الترتيب والتفريق بينها، فإذا فرغ من الحدود قتل، وإن كان القتل في المحاربة ففيه وجهان.
(أحدهما) وهو قول أبي إسحاق أنه يوالي بين الجميع، والفرق بينه وبين