وإن شهد اثنان عليه أنه حكم به لم يرجع إلى شهادتهما لأنه يشك في فعله فلا يرجع فيه إلى قول غيره، كما لو شك في فرض من فروض صلابته، فان شهد الشاهدان على حكمه عند حاكم آخر أنفذ ما شهدا به، فإن شهد شاهدان أن الأول توقف في شهادتهما لم يجز للثاني أن ينفذ الحكم الذي شهدا به، لان الشهود فرع للحاكم الأول، فإذا توقف الأصل لم يجز الحكم بشهادة الفرع، كما لو شهد شاهدان على شهادة شاهد الأصل، ثم شهد شاهدان أن شاهد الأصل توقف في الشهادة.
(فصل) إذا اتضح الحكم للقاضي بين الخصمين فالمستحب أن يأمرهما بالصلح فإن لم يفعلا لم يجز ترددهما لان الحكم لازم فلا يجوز تأخيره من غير رضا من له الحكم (فصل) إذا قال القاضي حكمت لفلان بكذا قبل قوله لأنه يملك الحكم فقبل الاقرار به كالزوج لما ملك الطلاق قبل إقراره به، وإن عزل ثم قال حكمت لفلان بكذا لم يقبل إقراره لأنه لا يملك الحكم فلم يملك الاقرار به، وهل يكون شاهدا في ذلك؟ فيه وجهان.
(أحدهما) وهو قول أبي سعيد الإصطخري أنه يكون شاهدا لأنه ليس فيه أكثر من أنه يشهد على فعل نفسه، وذلك لا يوجب رد شهادته، كما لو قالت امرأة أرضعت هذا الصبي.
(والثاني) وهو المذهب أنه لا يكون شاهدا، لأنه شهادته بالحكم تثبت لنفسه العدالة لان الحكم لا يكون إلا من عدل فتلحقه التهمة في هذه الشهادة فلم تقبل ويخالف المرضعة لان شهادتها بالرضاع لا تثبت عدالة لنفسها لان الرضاع يصح من غير عدل، ولان المغلب في الرضاع فعل المرتضع، ولهذا يصح به دونها، والمغلب في الحكم فعل الحاكم، فيكون شهادته على فعله فلم يقبل وبالله التوفيق.
(الشرح) حديث أم سلمة (من ابتلى...) رواه أبو يعلى والدارقطني والطبراني في الكبير من حديث أم سلمة وفى إسناده عبادة بن كثير وهو ضعيف ورواه البيهقي عن أم سلمة وقال: هذا اسناد فيه ضعف.