ولان الحاجة تدعو إلى كتاب القاضي إلى القاضي فيما ثبت عنده ليحكم به وفيما حكم به لينفذه، فإن كان الكتاب فيما حكم به جار قبول ذلك في المسافة القريبة والبعيدة، لان ما حكم به يلزم كل أحد إمضاؤه، وإن كان فيما ثبت عنده ولم يجز قبوله إذا كان بينهما مسافة لا تقصر فيها الصلاة، لان القاضي الكاتب فيما حمل شهود الكتاب كشاهد الأصل، والشهود الذين يشهدون بما في الكتاب كشهود الفرع وشاهد الفرع لا يقبل مع قرب شاهد الأصل.
(فصل) ولا يقبل الكتاب إلا أن يشهد به شاهدان، وقال أبو ثور:
يقبل من غير شهادة، لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتب ويعمل بكتبه من غير شهادة.
وقال أبو سعيد الإصطخري: إذا عرف المكتوب إليه خط القاضي الكاتب وختمه جاز قبوله وهذا خطأ، لان الخط يشبه الخط والختم يشبه الختم فلا يؤمن أن يزور على الخط والختم، وإذا أراد انفاذ الكتاب أحضر شاهدين ويقرأ الكتاب عليهما أو يقرأ غيره وهو يسمعه، والمستحب أن ينظر الشاهدان في الكتاب حتى لا يحذف منه شئ، وان لم ينظرا جاز لأنهما يؤديان ما سمعا.
وإذا وصلا إلى القاضي المكتوب إليه قرآ الكتاب عليه وقالا فشهد أن هذا الكتاب كتاب فلان إليك وسمعناه وأشهدنا أنه كتب إليك بما فيه، وان لم يقرءا الكتاب ولكنهما سلماه إليه وقالا نشهد أنه كتب إليك بهذا لم يجز، لأنه ربما زور الكتاب عليهما، وان انكسر ختم الكتاب لم يضر، لان المعول على ما فيه وان محى بعضه، فإن كانا يحفظان ما فيه أو معهما نسخة أخرى شهدا وان لم يحفظاه ولا معهما نسخة أخرى لم يشهدا لأنهما لا يعلمان ما أمحى منه.
(فصل) وان مات القاضي الكاتب أو عزل جاز للمكتوب إليه قبول الكتاب والعمل به، لأنه إن كان الكتاب بما حكم به وجب على كل من بلغه أن ينفذه في كل حال، وإن كان الكتاب بما ثبت عنده فالمكاتب كشاهد الأصل، وشهود الكتاب كشاهد الفرع وموت شاهد الأصل لا يمنع من قبول شهادة شهود الفرع وان فسق المكاتب ثم وصل كتابه، فإن كان ذلك فيما حكم به لم يؤثر