البحث الدلالي لخبر رجوع ابن عباس إلى الغسل بعد أن عرفت عدم إمكان الاحتجاج بهذه المرويات سندا، لا بد من القول بأن الاحتجاج بمتونها أشد إشكالا، لعدة أمور:
الأولى: إن النصوص الحاكية لرجوع بعض الصحابة والتابعين - كعبد الله ابن عباس وابن مسعود وعروة بن الزبير (1) - إلى الغسل، أو إرجاعهم الأمر - في قوله تعالى (وأرجلكم إلى الكعبين) - إلى الغسل، - لكون المعنى فيه - حسب تأويلهم - على التقديم والتأخير (2) -، أنها أقوال واستنتاجات للرواة ولم يصرح أحد من أولئك بذلك، بل حكى عكسه (أي المسح) عن عروة بن الزبير (3)!!
ولو ثبت رجوع ابن عباس مثلا إلى الغسل وصح لتهادت إليه آذان المحدثين وتناقلته عنه، ولحدث عنه ذلك تلامذته، ولجاء - هذا التصريح - في ألسن المتشرعة كما جاء تصريحه صلى الله عليه وآله بالمسح.
والثابت أن هذا الاستنتاج لا يمكنه أن يعارض الثابت المحفوظ عن ابن عباس في المسح سيرة وقولا، لكون الرجوع دعوى محضة لا دليل عليها.
الثانية: عرفنا سابقا أن النصوص الحاكية لرجوع ابن عباس هي دعاوي للرواة، فنتساءل الآن من هو المدعي؟
أهو عكرمة؟
وهذا غير معقول، لأنه كان من الدعاة إلى المسح والذابين عنه إلى آخر حياته؟