جهل بمعرفة الوجود يسري جهله في أمهات المطالب ومعظماتها وبالذهول عنها فاتت عنه خفيات المعارف وخبيئاتها وعلم الربوبيات ونبواتها ومعرفة النفس واتصالاتها ورجوعها إلى مبدأ مبادئها وغاياتها فرأينا أن نفتح بها الكلام في هذه الرسالة المعمولة في أصول حقائق الإيمان وقواعد الحكمة والعرفان.
فنورد فيها أولا مباحث الوجود وإثبات أنه الأصل الثابت في كل موجود وهو الحقيقة وما عداه كعكس وظل وشبح. ثم نذكر هاهنا قواعد لطيفة ومباحث شريفة سنحت لنا بفضل الله وإلهامه مما يتوقف عليه معرفة المبدأ والمعاد وعلم النفس وحشرها إلى الأرواح والأجساد وعلم النبوات والولايات وسر نزول الوحي والآيات وعلم الملائكة وإلهاماتها وعلاماتها والشياطين ووساوسها وشبهاتها وإثبات عالم القبر والبرزخ وكيفية علم الله تعالى بالكليات والجزئيات ومعرفة القضاء والقدر والقلم واللوح وإثبات المثل النورية الأفلاطونية ومسألة اتحاد العقل بالمعقولات واتحاد الحس بالمحسوسات ومسألة أن البسيط كالعقل وما فوقه كل الموجودات وأن الوجود كله مع تباين أنواعه وأفراد ماهيته وتخالف أجناسه وفصوله حدا وحقيقة جوهر واحد له هوية واحدة ذات مقامات ودرجات عالية ونازلة إلى غير ذلك من المسائل التي توحدنا باستخراجها وتفردنا باستنباطها مما فرقناها في الكتب والرسائل تقربا إلى الله وتوسلا إلى مبدأ المبادي وأول الأوائل وعلومنا هذه ليست من المجادلات الكلامية ولا من التقليدات العامية ولا من الأنظار الحكمية البحثية والمغالطات السفسطية ولا من التخيلات الصوفية بل هي من البرهانات الكشفية التي شهد بصحتها كتاب الله وسنة نبيه وأحاديث أهل بيت النبوة والولاية والحكمة سلام الله عليه وعليهم أجمعين وجعلت الرسالة منطوية على فاتحة وموقفين وكل منهما مشتمل على مشاعر وسميتها بها لمناسبة بين الفحوى والظاهر والعلن والسر.
فنقول مستعينا بالله مستمدا من أهل ملكوته: