تقدمة: بقدر ما في مسألة خلق الانسان من الاسرار والألغاز التي تتطلب البحث، وبقدر ما وقع عليه العلم في هذه المسألة الشيقة من بدائع وروائع. نجد في كتاب الحق تبارك وتعالى اهتماما كبيرا وتذكيرا مستمرا بها، كما نجد حثا للنظر فيها، وذلك لما تنطوي عليه من آيات للموقنين الذين يفكرون بعقولهم لا بأهوائهم، وللناظرين بأبصارهم وبصيرتهم، وللباحثين عن الحقيقة بصدق ووجدان. (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق) [العنكبوت: 20] (فلينظر الانسان مم خلق) [الطارق: 5].
والناظر في مشاهد تخلق الانسان المتتابعة. والتي تبتدئ بتلك النطفة الضعيفة، لتنتهي بخروج مخلوق سوي. حسن الخلقة، يحمل بين جنبيه قلبا نابضا بالحب والأشواق والعواطف. ويملك عقلا مفكرا ومبدعا، ونفسا تواقة للبحث والكشف وسبر أغوار المجهول... هذا المخلوق الذي يكبر وينمو ليكون عضوا فعالا على سطح الأرض. وقد يترك في تاريخ البشرية مالا تنساه الأجيال... أجل إن الناظر في هذه الرحلة الشيقة لا يملك إلا أن يسجد خاشعا لله في محراب هذه الحياة. وهو مشدوه ومشدود إلى هذا الخالق المبدع العظيم، الذي أحسن كل شئ خلقه.. (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون) [السجدة: 15].
ويضع الله تبارك وتعالى هذه الآيات البينات بين يدي المتشككين بالبعث (يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا) [الحج: 5] وبمقارنة الحقائق التي تظهرها هذه الآية وحدها مع النظريات التي تكلمت