التداوي بالأعشاب - الدكتور أمين رويحة - الصفحة ١٧
وبعد ان ازدهرت الكيمياء في بداية القرن التاسع عشر، وصار باستطاعتها تحليل الأعشاب لمعرفة المواد الفعالة فيها، واستخراجها أو تركيبها كيماويا من مصادر كيماوية أخرى، بدأ التداوي بالأعشاب ينطوي في عالم الاهمال ليحل مكانه التداوي بالمساحيق والأقراص والأشربة الخ.. المستخلصة من الاجزاء الفعالة في الأعشاب أو من المواد الكيماوية غير العضوية. وكان من المأمول ان تكون هذه الأدوية (الصناعية) أحسن فعالية من الأعشاب لأنها خلاصة المواد الفعالة فيها، ولكن التجارب أثبتت فيما بعد أن ما في صيدلية الله من أعشاب أحسن فعالية مما في الصيدليات من انتاج المصانع الكيماوية. فالجسم البشرى أو الحيواني ليس كالآلة التي تحتاج مثلا للزيت والنفط لتدور وينتظم عمل كل جزء فيها، فالمخلوق الحي مكون من أحشاء وأعضاء مرتبطة بعضها بالبعض الآخر. فإذا أصيب عضو منها بمرض لا يظل تأثيره مقتصرا عليه، بل إن الأعضاء وأجزاء الجسم الأخرى، أي الجسم كله، يصاب بخلل في جميع أعماله العضوية والنفسانية.
والمواد الشافية في الأعشاب لا تنفرد بجزء واحد له علاقة خاصة بجزء خاص في الجسم، دون ان يكون له تأثير آخر في غيره - كما هو الحال في الأدوية الصناعية في الصيدليات، بل إن يد الخالق جمعتها في عشبة واحدة بمزيج يستحيل على الانسان أو مصانعه ان تأتى بمثله. ولذلك كانت العشبة الواحدة تحوي من المواد الفعالة الشافية ما يجعلها مفيدة في مداواة أمراض مختلفة، ولو تغيرت طرق استعمالها بما يقتضيه المرض المعالج. ولا أستطيع ان أتوسع هنا في هذا الموضوع، وأكتفي بذكر دليل واحد، بيد انه قاطع، يدل على تفوق الأعشاب في تأثيرها الطبي، على الأدوية الصناعية المستخرجة منها.. فالديجيتال مثلا علاج سام يستعمل في مداواة أمراض القلب، وهو مستخرج من نبات يسمى (قمعية أرجوانية) والكمية السامة منه تسمم القلب إذا أعطيت من المستخلص من النبتة ولا تسبب اعراض تسمم لو أعطيت بكميات أكبر بوريقات النبتة ذاتها. ولكن بالرغم من هذا كله أهمل الأطباء استعمال أكثر الأعشاب
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»
الفهرست