ولهذا كله لا ينبغي حين نتعرض لكتب الطب القديم أن نفهمها أنها كتبت لعصرنا، فعصرنا يختلف في مفهوماته ومعلوماته وطبه عن عصور الأقدمين. وهذا كله لا يمنعنا أن ننظر إلى أعمالهم ونزنها بميزان عصرها لا بميزان عصرنا.
ولا ننكر أننا يمكن أن نستفيد من لفتة بارعة أو منهج تفكير نجده لدى القدماء وأهمله المحدثون.
فليس كل قديم لا نفع فيه، ولا كل جديد فيه الخير كله... بل قد يكون في الجديد ما يحتاج إلى معاودة النظر في قيمته، ولعله من الغثاء الذي ينبغي طرحه.. ولعل في القديم من الجواهر والدرر ما ينبغي الكشف عنه ومعاودة استخدامه وإن كان بأسلوب وطريقة مناسبة للعصر الذي نعيش فيه.
ورسالة الإمام علي الرضا تفتح لنا كثيرا من هذه الآفاق.. وقيمتها ليست فحسب في كونها أول رسالة في حفظ الصحة باللغة العربية، وإنما تكمن قيمتها أيضا في منهج مؤلفها الذي جمع فيها ما ورثه من طب النبوة عن آبائه وما تعلمه من طب اليونان ومزج ذلك كله مزجا فذا غريبا، وصاغه بلغة أدبية رائعة، واستطاع أن يوجز تلك المعلومات الكثيرة والمتباينة في 14 صفحة مطبوعة من الحجم الصغير.
إن هذه الرسالة الموجزة الصغيرة تحمل في طياتها علما كثيرا، استطاع الإمام علي الرضا أن يوجزه في صفحات قليلة تميزت بالدقة وسلاسة العبارة ووضوح المعنى.
وهو أمر عسير وشاق دون ريب، إذ إن الايجاز الشديد يقتضي في كثير من الأحيان غموض المعنى وصعوبة العبارة. ولا كذلك رسالة الرضا.