خير نفسه وشره شر نفسه، وكل وصف وحال له وصفا وحالا لنفسه، فهذا الانسان يتفكر نحوا آخر من التفكر ولا يشتغل في الارتباط بغيره إلا بمن هو خارج عن مجتمعه واما اشتغاله بأجزاء مجتمعه فلا يهتم به ولا يقدره شيئا.
واستوضح ذلك بما نورده من المثال: الانسان مجموع مؤلف من أعضاء وقوى عديدة تجتمع الجميع نوع اجتماع يعطيها وحدة حقيقية نسميها الانسانية، يوجب ذلك استهلاك الجميع ذاتا وفعلا تحت استقلاله فالعين والأذن واليد والرجل تبصر وتسمع وتبطش وتمشي للانسان، وإنما يلتذ كل بفعله ضمن التذاذ الانسان به، وكل واحدة من هذه الأعضاء والقوى همها أن ترتبط بالخارج الذي يريد الانسان الواحد الارتباط به بخير أو شر فالعين أو الأذن أو اليد أو الرجل إنما تريد الاحسان أو الإساءة إلى من يريد الانسان الاحسان أو الإساءة إليه من الناس مثلا، وأما معاملة بعضها مع بعض والجميع تحت لواء الانسانية الواحدة فقلما يتفق أن يسيء بعضها إلى بعض أو يتضرر بعضها ببعض.
فهذا حال اجزاء الانسان وهي تسير سيرا واحدا اجتماعيا، وفي حكمه حال أفراد مجتمع إنساني إذا تفكروا تفكرا اجتماعيا فصلاحهم وتقواهم أو فسادهم وإجرامهم وإحسانهم وإساءتهم إنما هي ما لمجتمعهم من هذه الأوصاف إذا اخذ ذا شخصية واحدة.
وهكذا صنع القرآن في قضائه على الأمم والأقوام التي ألجأتهم التعصبات المذهبية أو القومية ان يتفكروا تفكرا اجتماعيا كاليهود والاعراب وعدة من الأمم السالفة فتراه يؤاخذ اللاحقين بذنوب السابقين، ويعاتب الحاضرين ويوبخهم بأعمال الغائبين والماضين كل ذلك لأنه القضاء الحق فيمن يتفكر فكرا اجتماعيا، وفي القرآن الكريم من هذا الباب آيات كثيرة لا حاجة إلى نقلها.