عن نوح عليه السلام، وهو أقدم الأنبياء أولي الشريعة والكتاب ثم عن إبراهيم، ثم عن موسى، ثم عن عيسى عليهم السلام، وقد كان في شريعة نوح وإبراهيم النزر اليسير من الاحكام، وأوسع هؤلاء الأربعة شريعة موسى، وتتبعه شريعة عيسى على ما يخبر به القرآن وهو ظاهر الأناجيل وليس في شريعة موسى - على ما قيل - سوى ستمائة حكم تقريبا.
فلم تبدأ الدعوة إلى الاجتماع دعوة مستقلة صريحة إلا من ناحية النبوة في قالب الدين كما يصرح به القرآن، والتاريخ بصدقه.
- 3 - - الاسلام وعنايته بالمجتمع - لا ريب أن الاسلام هو الدين الوحيد الذي أسس بنيانه على الاجتماع صريحا، ولم يهمل أمر المجتمع في أقل شأن من شؤونه، فانظر: إن أردت زيادة التبصر في ذلك إلى سعة الأعمال الانسانية التي تعجز عن إحصائها الفكرة، وإلى تشعبها إلى أجناسها، وأنواعها، وأصنافها، ثم انظر إلى احصاء هذه الشريعة الإلهية لها وإحاطتها بها وبسط أحكامها عليها، ترى عجبا، ثم أنظر إلى تقليبه ذلك كله في قالب المجتمع ترى أنه أنفذ روح الاجتماع فيها غاية ما يمكن من الانفاذ. ثم خذ في مقايسة ما وجدته بسائر الشرائع الحقة التي يعتني بها القرآن وهي شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى حتى تعاين النسبة وتعرف المنزلة.
وأما ما لا يعتني به القرآن الكريم من الشرائع كأديان الوثنية والصابئية والمانوية والثنوية، وغيرها، فالأمر فيها أظهر وأجلى. وأما الأمم المتمدنة وغيرها فالتاريخ لا يذكر من أمرها إلا أنها كانت تتبع ما ورثته من أقدم عهود الإنسانية من استتباع الاجتماع بالاستخدام،