- 5 - ماذا أبدعه الاسلام في أمرها؟
لا زالت بأجمعها ترى في أمر المرأة ما قصصناه عليك، وتحبسها في سجن الذلة والهوان حتى صار الضعف والصغار طبيعة ثانية لها، عليها نبتت لحمها وعظمها وعليها كانت تحيا وتموت، وعادت ألفاظ المرأة والضعف والهوان كاللغات المترادفة بعدما وضعت متبائنة لا عند الرجال فقط بل وعند النساء - ومن العجب ذلك - ولا ترى أمة من الأمم وحشيها ومدنيها إلا وعندهم أمثال سائرة في ضعفها وهوان أمرها، وفي لغاتهم على اختلاف أصولها وسياقاتها وألحانها أنواع من الاستعارة والكناية والتشبيه مربوطة بهذه اللفظة (المرأة) يقرع بها الجبان، ويؤنب بها الضعيف، ويلام بها المخذول المستهان والمستذل المنظلم، ويوجد من نحو قول القائل:
وما أدري وليت أخال أدري * أقول آل حصن أم نساء مئات وألوف من النظم والنثر في كل لغة.
وهذا في نفسه كاف في أن يحصل للباحث ما كان يعتقده المجتمع الإنساني في أمر المرأة، وإن لم يكن هناك ما جمعته كتب السير والتواريخ من مذاهب الأمم والملل في أمرها، فإن الخصائل الروحية والجهات الوجودية في كل أمة تتجلى في لعنها وآدابها.
ولم يورث من السابقين ما يعتني بشأنها ويهم بأمرها إلا بعض ما ورد في التوراة، وما وصى به عيسى بن مريم عليهما السلام من لزوم التسهيل عليها والإرفاق بها.
وأما الإسلام أعني الدين الحنيف النازل به القرآن فإنه أبدع في حقها أمرا ما كانت تعرفه الدنيا منذ قطن قاطنوها، وخالفهم جميعا في بناء بنية فطرية عليها كانت الدنيا هدمتها من أول يوم وأعفت آثارها، وألغى ما كانت