وأما قولهم: إن المدنية الحاضرة سمحت للممالك المترقية سعادة المجتمع وهذب الأفراد وطهرهم عن الرذائل التي لا يرتضيها المجتمع فكلام غير خال من الخلط والاشتباه.
وكأن مرادهم من السعادة الاجتماعية تفوق المجتمع في عدتها وقوتها وتعاليها في استفادتها من المنابع المادية وقد عرفت كرارا ان الاسلام لا يعد ذلك سعادة والبحث البرهاني أيضا يؤيده بل السعادة الانسانية أمر مؤلف من سعادة الروح والبدن وهي تنعم الانسان من النعم المادية وتحليه بفضائل الأخلاق والمعارف الحقة الإلهية وهي التي تضمن سعادته في الحياة الدنيا والحياة الأخرى واما الانغمار في لذائذ المادة مع إهمال سعادة الروح فليس عنده إلا شقاء.
وأما استعجابهم بما يرون من الصدق والصفاء والأمانة والبشر، وغير ذلك فيما بين أفراد الأمم المترقية، فقد اختلط عليهم حقيقة الأمر فيه، وذلك أن جل المتفكرين من باحثينا معاشر الشرقيين لا يقدرون على التفكير الاجتماعي وإنما يتفكرون تفكرا فرديا فالذي يراه الواحد منا نصب العين أنه موجود إنساني مستقل عن كل الأشياء غير مرتبط بها ارتباطا تبطل استقلاله الوجودي (مع أن الحق خلافه) ثم لا يتفكر في حياته إلا لجلب المنافع إلى نفسه ودفع المضار عن نفسه فلا يشتغل إلا بشأن نفسه وهو التفكر الفردي، ويستتبع ذلك أن يقيس غيره على نفسه فيقضي فيه بما يقضي على هذا النحو من الاستقلال.
وهذا القضاء إن صح فإنما يصح فيمن يجري في تفكره هذا المجرى، وأما من يتفكر تفكرا اجتماعيا ليس نصب عينيه إلا أنه جزء غير منفك ولا مستقل عن المجتمع وان منافعه جزء من منافع مجتمعه يرى خير المجتمع