وقهرا والتوسل في ذلك بالسوط أو السيف أو بالتفكير والهجرة وترك المخالفة فحاشا ساحة الحق والدين القويم أن يرضى به أو يشرع ما يؤيده، وإنما هو خصيصة نصرانية، وقد امتلأ تاريخ الكنيسة من أعمالها وتحكماتها في هذا الباب - وخاصة فيما بين القرن الخامس وبين القرن السادس عشر الميلاديين - بما لا يوجد نظائره في أشنع ما عملته أيدي الجبابرة والطواغيت وأقساه. ولكن من الأسف أنا معاشر المسلمين سلبنا هذه النعمة وما لزمها (الاجتماع الفكري وحرية العقيدة) كما سلبنا كثيرا من النعم العظام التي كان الله سبحانه أنعم علينا بها كما فرطنا في جنب الله (وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فحكمت فينا سيرة الكنيسة واستتبع ذلك أن تفرقت القلوب وظهر الفتور وتشتت المذاهب والمسالك يغفر الله لنا ويوفقنا لمرضاته ويهدينا إلى صراطه المستقيم.
- 15 - الدين الحق هو الغالب على الدنيا بالآخرة والعاقبة للتقوى فإن النوع الإنساني بالفطرة المودوعة فيه تطلب سعادته الحقيقة وهو استواؤه على عرش حياته الروحية والجسمية معا حياة اجتماعية باعطاء نفسه حظه من السلوك الدنيوي والأخروي وقد عرفت أن هذا هو الإسلام ودين التوحيد. وأما الانحرافات الواقعة في سير الإنسانية نحو غايته وفي ارتقائه إلى أوج كماله فإنما هو من جهة الخطأ في التطبيق لا من جهة بطلان حكم الفطرة، والغاية التي يعقبها الصنع والايجاد لابد ان تقع يوما معجلا أو على مهل، قال تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون * - يريد أنهم لا يعلمون ذلك علما تفصيليا وإن علمته فطرتهم إجمالا، إلى أن قال: - ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون - إلى أن