الامر المعلوم لا صفة العلم، فالوقوع الدائمي والأكثري أيضا بوجه من الحق، وأما آراء الأكثرين وأنظارهم واعتقاداتهم في مقابل الأقلين فليست بحق دائما، بل ربما كانت حقا إذا طابقت الواقع وربما لم تكن إذا لم تطابق وحينئذ فلا ينبغي أن يخضع لها الانسان ولا أنه يخضع لها لو تنبه للواقع فإنك إذا أيقنت بأمر ثم خالفك جميع الناس فيه لم تخضع بالطبع لنظرهم وإن اتبعتهم فيه ظاهرا فإنما تتبعهم لخوف أو حياء ، أو عامل آخر لا لأنه حق واجب الاتباع في نفسه، ومن أحسن البيان في أن رأي الأكثر ونظرهم لا يجب أن يكون حقا واجب الاتباع، قوله تعالى: (بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون) (1).
فلو كان كل ما يراه الأكثر حقا لم يمكن أن يكرهوا الحق ويعارضوه. وبهذا البيان يظهر فساد وبناء اتباع الأكثيرية على سنة الطبيعة فإن هذه السنة جارية في الخارج الذي يتعلق به العلم دون نفس العلم والفكر والذي يتبعه الانسان من هذه السنة في إرادته وحركاته إنما هو ما في الخارج من أكثرية الوقوع لا ما اعتقده الأكثرون أعني أنه يبني أفعاله وأعماله على الصلاح الأكثري، وعليه جرى القرآن في حكم تشريعاته ومصالحها، قال تعالى (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) (2).
وقال تعالى: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) (3) إلى غير ذلك من الآيات المشتملة على ملاكات غالبية الوقوع للأحكام المشرعة.