وبعبارة أخرى لو صح أن كل رأي واعتقاد يجب أن يتغير يوما وجب أن يتغير هذا الرأي نفسه - أي لا يتغير بعض الاعتقادات أبدا - فإنهم ذلك.
- 11 - هل الاسلام قادر على إسعاد البشرية؟
ربما يقال: هب أن الاسلام لتعرضه لجميع شؤون الانسانية الموجودة في عصر نزول القرآن كان يكفي في إيصاله مجتمع ذلك العصر إلى سعادتهم الحقيقية، وجميع أمانيهم في الحياة لكن الزمن استطاع أن يغير طرق الحياة الانسانية، فالحياة الثقافية والعيشة الصناعية في حضارة اليوم لا تشبه الحياة الساذجة قبل أربعة عشر قرنا المقتصرة على الوسائل الطبيعية الابتدائية، فقد بلغ الانسان إثر مجاهداته الطويلة الشاقة مبلغا من الارتقاء والتكامل المدني لو قيس إلى ما كان عليه قبل عدة قرون كان كالقياس بين نوعين متباينين فكيف تفي القوانين الموضوعة لتنظيم الحياة في ذلك العصر للحياة المتشكلة العبقرية اليوم؟ وكيف يمكن أن تحمل كل من الحياتين أثقال الأخرى؟
والجواب: أن الاختلاف بين العصرين من حيث صورة الحياة لا يرجع إلى كليات شؤونها، وإنما هو من حيث المصاديق والموارد وبعبارة أخرى يحتاج الانسان في حياته إلى غذاء يتغذى به، ولباس يلبسه، ودار يقطن فيه ويسكنه، ووسائل تحمله وتحمل أثقاله وتنقلها من مكان إلى آخر ومجتمع يعيش بين أفراده، وروابط تناسلية وتجارية وصناعية وعملية وغير ذلك، وهذه حاجة كلية غير متغيرة ما دام الانسان إنسانا ذا هذه الفطرة والبنية، وما دام حياته هذه الحياة الانسانية والانسان الأولي وإنسان هذا اليوم في ذلك على حد سواء.