بارتفاع إباحته تأول في دلالة الآية من غير دليل.
سلمنا أن إباحته كانت بإذن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمصلحة الضرورة لكنا نسأل أن هذه الضرورة هل كانت في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشد وأعظم منها بعده، ولا سيما في زمن الراشدين، وقد كان يسير جيوش المسلمين إلى مشارق الأرض ومغاربها بالألوف بعد الألوف من الغزاة؟ وأي فرق بين أوائل خلافة عمر وأوخره من حيث تحول هذه الضرورة من فقر وغزوة واغتراب في الأرض وغير ذلك؟ وما هو الفرق بين الضرورة والضرورة؟
وهل الضرورة المبيحة اليوم وفي جو الإسلام الحاضر أشد وأعظم أو في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والنصف الأول من عهد الراشدين؟ وقد أظل الفقر العام على بلاد المسلمين، وقد مصت حكومات الاستعمار والدول القاهرة المستعلية والفراعنة من أولياء أمور المسلمين كل لبن في ضرعهم، وحصدوا الرطب من زرعهم واليابس.
وقد ظهرت الشهوات في مظاهرها، وازينت بأحسن زينتها وأجملها، ودعت إلى اقترافها بأبلغ دعوتها ولا يزال الأمر يشتد، والبلية تعم البلاد والنفوس، وشاعت الفحشاء بين طبقات الشبان من المتعلمين والجنديين وعملة المعامل، وهم الذين يكونون المعظم من سواد الإنسانية، ونفوس المعمورة.
ولا يشك شاك ولن يشك في أن الضرورة الموقعة لهم في فحشاء الزنا واللواط وكل انخلاع شهواني عمدتها العجز من تهيئة نفقة البيت، والمشاغل المؤقتة المؤجلة المانعة من اتخاذ المنزل والنكاح الدائم بغربة أو خدمة أو دراسة ونحو ذلك. فما بال هذه الضرورات يبيح في صدر الإسلام - وهي أقل وأهون عند القياس - نكاح المتعة لكنها لا تقوم للإباحة في غير ذلك