بالإحصان العفة الاحتراز عن مباشرة النساء حتى ينافي المورد بل ما يقابل السفاح أعني التعدي إلى الفحشاء بأي وجه كان بقصر النفس في ما أحل الله، وكفها عما حرم الله من الطرق العادية في التمتع المباشري الذي أودع النزوع إليه في جبلة الإنسان وفطرته.
وبما قدمناه يظهر فساد ما ذكره بعضهم: أن قوله: (ان تبتغوا بأموالكم) بتقديم لام الغاية أو ما يؤدي معناها، والتقدير لتبتغوا، أو إرادة أن تبتغوا وذلك أن مضمون قوله: ان تبتغوا، بوجه عين ما أريد بقوله: (ما وراء ذلكم) لا أنه أمر مترتب عليه مقصود لأجله، وهو ظاهر.
وكذا ما يظهر من كلام بعضهم: أن المراد بالمسافحة مطلق سفح الماء وصبه من غير أن يقصد به الغاية التي وضع الله سبحانه هذه الداعية الشهوية الفطرية في الإنسان لأجلها، وهي غرض تكوين البيت وإيجاد النسل والولد، وبالمقابلة يكون الإحصان هو الازدواج الدائم الذي يكون الغرض منه التوالد والتناسل، وإني لست أرى هذا القائل إلا أنه اختلط عليه طريق البحث فخلط البحث في ملاك الحكم المسمى بحكمة التشريع بالبحث عن نفس الحكم فلزمه ما لا يسعه الإلتزام به من اللوازم.
وأحد البحثين وهو البحث عن الملاك عقلي، والآخر وهو البحث عن الحكم الشرعي وما له من الموضوع والمتعلق والشرائط والموانع لفظي يتبع في السعة والضيق البيان اللفظي من الشارع وإنا لا نشك أن جميع الأحكام المشرعة تتبع مصالح وملاكات حقيقية، وحكم النكاح الذي هو أيضا أحدها يتبع في تشريعه مصلحة واقعية وملاكا حقيقيا، وهو التوالد والتناسل ونعلم أن نظام الصنع والايجاد أراد من النوع الإنساني البقاء النوعي ببقاء الأفراد ما شاء الله، ثم احتيل إلى هذا الغرض بتجهيز البنية الإنسانية بجهاز التناسل الذي يفصل أجزاء منه فيربيه ويكونه إنسانا جديدا يخلف الإنسان القديم