وهكذا فقدت العترة الطاهرة حتى نصيبها من امتيازات الشرف التي كانت مخصصة لها بموجب الصيغة السياسية التي سادت مكة قبل الإسلام، وعزلت تماما وحجمت. أنظر إلى قول الفاروق مخاطبا العباس وبني هاشم: " أي والله وأخرى إنا لم نأتكم حاجة منا إليكم، ولكن كرهنا أن يكون الطعن منكم فيما اجتمع عليه العامة فيتفاقم الخطب بكم وبهم ". وبلغت الاستهانة بهم حدا أنه حتى عبد الله بن الزبير هم بأن يحرق بيوت الهاشميين على من فيها لولا أن تدخل أهل الخير.
ومعنى ذلك أن أي قبيلة من القبائل التي حاصرت الهاشميين في شعاب أبي طالب ثلاث سنين وأرسلت مندوبها للاشتراك بقتل النبي هي أسعد حظا من الهاشميين، والفرد منها أولى وأحق برئاسة الدولة من أي هاشمي. فالرئاسة والولاية حلال لكل الناس وحرام على أي هاشمي من الناحية العملية، كل ذلك من أجل عدم تمكين الهاشميين من الجمع بين النبوة والخلافة، وهل جزاء الاحسان إلا الاحسان؟.
م - التكييف الشرعي لمقولة لا ينبغي أن يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة هذه مقولة جاهلية من كل الوجوه، وتتعارض معارضة تامة مع النصوص الشرعية ومع النظم السياسية المشتقة من العقائد الإلهية. فداود النبي، ورثه ابنه سليمان فجمع كل واحد منهم النبوة والخلافة معا، وأوتي الأنبياء وذرياتهم الحكم والنبوة والكتاب، ولم يعترض عليهم أحد لأن الفصل بيد الله والخلافة منصب ديني وبالدرجة الأولى دنيوي والخليفة قائم مقام النبي، ومن مهام النبوة البيان والحكم وعملية البيان والحكم عملية فنية تماما واختصاصا.
ومن هو على علم بالتقاطيع الأساسية للنظام السياسي الإسلامي يتبين له بأقل جهد ممكن، أن هذه المقولة نسفت نسفا تاما النظام السياسي الإسلامي كنظام إلهي وفرغته تماما من مضمونه وحولته من الناحية العملية إلى نظام وضعي لا يختلف عن الأنظمة الوضعية إلا بالشكل (سياسيا) بل والأهم من ذلك أن رئاسة الدولة صارت غنيمة وطعمة يأكلها الغالب والغالب وحده، وبعد أن يغلب يجلس على كرسي النبي