الموقف النهائي للولي لقد استقر الأمر للسلطة الجديدة، وأصبح الولي مجرد مواطن عادي لا حق له على أحد، إن شاءت السلطة قربته منها وإن شاءت أبعدته عنها، فهي صاحبة الحق الواقعي بذلك بحكم الغلبة، لقد ضاعت الخلافة منه مع أنها حق خالص من الله ورسوله له. واستمراره بالمعارضة قد يؤدي لقتله، ومبررات القتل كثيرة فيمكن أن يسند له جرم شق عصا الطاعة والخروج على الجماعة ومنازعة الأمر أهله...... الخ.
ثم إنه لا أحد معه إلا أهل بيته، وهو يصف حاله بتلك الفترة فيقول:
" ونظرت فإذا ليس معي إلا أهل بيتي فظننت بهم عن الموت، وأغضيت على القذى وشربت على الشجا وصبرت على أخذ الكظم، وعلى أمر من طعم العلقم " (2).
وقال يوما " فجزت قريش عني الجوازي فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن أمي (فهو مؤمن أن الحق له) (2)، وأجمعوا على منازعتي أمر هو لي.... وقد قال قائل: إنك على هذا الأمر يا ابن أبي طالب لحريص، بل أنتم والله الأحرص، وإنما طلبت حقا لي، وأنتم تحولون بيني وبينه، فوالله ما زلت مدفوعا عن حقي مستأثرا علي منذ قبض رسول الله حتى يومنا هذا " (3).
ولم يكن أمامه إلا الاحتفاظ بحقه في الخلافة والاحتجاج على من عدل عنه بها على وجه لا تشق بها للمسلمين عصا، ولا تقع بينهم فتنة ينتهزها عدوهم، فقعد في بيته حتى أخرجوه كرها، ولو أسرع إليهم ما تمت له حجة ولا سطع لشيعته برهان، لكنه جمع بين حفظ الدين والاحتفاظ بحقه في خلافة المسلمين، وحين رأى أن حفظ الإسلام ورد عادية أعدائه موقوف في تلك الأيام على الموادعة والمسالمة شق بنفسه طريق الموادعة وآثر مسالمة القائمين في الأمر احتفاظا بالأمة واحتياطا على الملة