الملة: " فلما تم لأبي بكر ما أراد من المشورة دعا عثمان خاليا - أي وحده - وقاله له: أكتب أما بعد، ثم أغمي عليه من شدة الوجع فكتب عثمان " فإني أستخلف عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيرا ". فلما أفاق أبو بكر من إغمائه قال لعثمان:
اقرأ علي، فقرأ عليه ما كتب فقال أبو بكر: أراك خفت أن يختلف الناس إن اقتتلت نفسي في غشيتي؟ قال عثمان: نعم. قال أبو بكر: جزاك الله خيرا عن الإسلام وأهله، وأقرها أبو بكر " (1)، تلك حقيقة بالإجماع.
الثانية: مرض عمر نفسه. قال طبيبه: لا أرى أن تمسي، فما كنت فاعلا فافعل فقال لابنه عبد الله: ناولني الكتف فمحاها، وقال من شدة الوجع: والله لو كان لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع، وكان رأسه في حجر ابنه عبد الله فقال لابنه: ضع خدي بالأرض، فلم يفعل، فلحظه وقال: ضع خدي بالأرض لا أم لك الويل لعمر ولأم عمر إن لم يغفر الله لعمر (2).
وبالرغم من شدة وجع أبي بكر فقد أوصى وكتب ما أراد، وبالرغم من شدة وجع عمر فقد أوصى وكتب ما أراد، ورتب أمر الشورى، واطمأن أن عثمان سيكون الخليفة، واطمأن أنه لا يسلط هاشمي على رقاب الناس حتى ولو كان ذا قوة وذا أمانة، ونفذت بدقة وصية الاثنين، وسمح لهما بقولها، وسمح لهما بالتوصية، وبالرغم من اشتداد الوجع بكل واحد منهما، فعندما كتب كل واحد منهما وصيته كان ما زال رسميا على رأس عمله خليفة للمسلمين ومن حقه أن يمارس عمله ما دام حيا أو لم يعزل.
تلك حقيقة مسلم بها بالإجماع وقول واحد لا خلاف عليه، فكيف يسمح لأبي بكر ولعمر بالتوصية وكتابة ما أراد، مع أن المرض قد اشتد بكل واحد منهما أكثر من اشتداده برسول الله (ص) ويحال بين الرسول وبين كتابة ما أراد!!.