أن التلفظ بالشهادتين غير كاف لجعل بطون قريش تتخلى عن أهدافها وغاياتها من مواجهتها للنبي المتمثلة (برفضها المطلق للنبوة والزعامة الهاشمية) وكيف يقر لها قرار، محمد الهاشمي يتربع على قمة الهرم، ويعلن ليل نهار أن الإمام من بعده هو علي بن أبي طالب، الفارس العجيب الذي فجع البطون بأبنائها يليه في الإمامة أحد عشر إماما " من ذرية النبي ومن نسل علي جميعهم من بني هاشم! جميع هذه الحقائق والذكريات شكلت في قلب كل واحد من أبناء البطون جرحا " راعضا "، وربت حقدا " دفينا " إلا من امتحن الله قلبه للإيمان منهم، وهم قليل، جد قليل.
إعادة تقويم الموقف والاعتراف بالمعطيات الجديدة وضعت الحرب أوزارها باستسلام البطون، والتقى المهاجرون والطلقاء من أبنائها بعد أن اجتمع شمل الجميع تحت خيمة الإسلام الواسعة، وتذكروا الآباء والأبناء والأخوة والأعمام والأخوال الذين قتلهم محمد وآله وأصحابه! ولم تكن للبطون قدرة على الاعتراض، لأنها مهزومة، وقد تعلمت، خلال حقبة المواجهة، أن محمدا " سينتصر دائما "، وأن أي مواجهة معه مصيرها الفشل الذريع.
ومن هنا صارت العافية مرهونة بالصمت وإخفاء حقيقة ما في النفوس. واستذكر أبناء البطون أن النبوة الهاشمية صارت قدرا " لا مفر منه وأن لا محيص من اعترافهم بهذه النبوة، وأن الصيغة الجاهلية السياسية القائمة على اقتسام مناصب الشرف قد تمزقت نهائيا "، وأن الهاشميين قد تفردوا بكل الفخر والشرف فالنبي منهم، ومحمد لا يتوقف عن الإعلان بأن الولي من بعدة هو علي بن أبي طالب ومن بعده أحد عشر إماما " جميعهم من ذرية النبي الهاشمي ومن نسل علي الهاشمي أيضا ". وكلما تذكروا ذلك وتذاكروا به اجتاحت قلوبهم موجات هائلة من المشاعر التي يختلط بها كل شئ: الحقد والحسد والوتر والإحباط والشعور بالهزيمة الماضي والحاضر، الإسلام والشرك والدنيا والآخرة. وأسفرت هذه المشاعر المتناقضة عن شعور بالمرارة، ورغبة هائلة بالتغيير، ولكن تحت مظلة الإسلام فمحمد وآله وأصحابه ما زالوا قلة، كانوا قلة وسط بحر من الشرك وصاروا بعد الانتصار قلة وسط بحر من حديثي الإسلام! فتحت مظلة الإسلام ستعود الأمور إلى مجاريها