وخطورة ظاهرة النفاق، وطبيعة نفسية المنافقين المريضة حيزا " كبيرا " من القرآن الكريم، ومع هذا لم يكن هنالك تنزيل للمنافقين، فالجميع يقومون بالأعمال نفسها، ويرددون الألفاظ عينها، يضمهم مجتمع واحد هو مجتمع المدينة، ويدينون بالطاعة أو يتظاهرون بها لقائد واحد هو الرسول. وقد بلغ تغلغل المنافقين في مجتمع المدينة حدا " يثير الذهول، فقد يكون الأب منافقا " والابن مؤمنا " كحالة عبد الله بن أبي وابنة. لقد كانت المدينة المنورة عاصمة دولة النبي وفي الوقت نفسه المقر الرئيسي لمردة النفاق، وخارج نطاق دولة النبي ينظر للجميع على أساس أنهم أصحاب محمد، ويعرفون بهذا الوصف لأنهم سبقوا في دخول الإسلام، أو تظاهروا بهذا الدخول، ولأنهم كانوا جند النبي أثناء مرحلة المواجهة المسلحة الأولى أو تظاهروا بذلك.
وعند ما جاء نصر الله والفتح، ودخل الناس جميعا " في دين الله أفواجا "، وصار المجتمع العربي مجتمعا " إسلاميا "، وصار النبي سيد الجميع وحاكمهم، بقيت الفئة القلية التي سبقت إلى الإسلام أو تظاهرت به، والتي خاضت غمار المواجهة أو تظاهرت بخوضها بقيت فئة متميزة من غيرها من المسلمين تعرف بالوصف السابق نفسه: (أصحاب محمد) من دون البحث الدقيق عن حقيقة نفاق المنافقين أو عمق إيمان المؤمنين من هذه القلة!
والثابت أن الرسول قال عن زعيم المنافقين عبد الله بن أبي: (فلعمري لنحسن حجته ما دام بين أظهرنا) (1). ولما اقترح بعض المسلمين على رسول الله أجاب بما معناه: (كيف يقال إن محمدا " يقتل أصحابه؟!). وعند ما اقترح أسيد بن حضير على الرسول أن يقتل المنافقين الذين تآمروا على قتله، في أثناء عودته من غزوة تبوك، أجابه الرسول قائلا: (إني أكراه أن يقول الناس أن محمدا " لما انقضت الحرب بينه وبين المشركين وضع يده في قتل أصحابه! فقال أسيد: يا رسول الله، فهؤلاء ليسوا أصحابا! قال الرسول: أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا الله؟ قال:
بلى ولا شهادة لهم! قال: أليس يظهرون أني رسول الله؟ قال: بلى ولا شهادة لهم!