أولا - لم يكن يسكن المدينة المنورة كل من حضر بيعة الغدير ونما كان كما هو المفروض وعلى أكبر تقدير ثلاثة أو أربعة آلاف منهم يسكنون المدينة، وإذا عرفنا أن هؤلاء فيهم الكثير من الموالي والعبيد والمستضعفين الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مناطق عديدة وليس لهم في المدينة قبيلة ولا عشيرة أمثال أهل الصفة، فلا يبقى معنا إلا نصفهم يعني ألفين فقط وحتى هؤلاء فهم خاضعون لرؤساء القبيلة ونظام العشيرة التي ينتمون إليها، وقد أقرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك فكان إذا قدم عليه وفد ولي عليهم زعيمهم وسيدهم، ولذلك وجدنا اصطلاحا على تسميتهم في الإسلام بأهل الحل والعقد.
وإذا ما نظرنا إلى مؤتمر السقيفة الذي انعقد عند وفاة الرسول مباشرة وجدنا أن الحاضرين الذين اتخذوا قرار اختيار أبي بكر خليفة لا يزيد على مائة شخص على أكثر تقدير لأنه لم يحضر من الأنصار وهم أهل المدينة إلا أسيادهم وزعماؤهم، كما لم يحضر من المهاجرين وهم أهل مكة الذين هاجروا مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة أو أربعة أشخاص يمثلون قريش ويكفي دليلا أن نتصور ما هو حجم السقيفة فكلنا يعرف ما هي السقيفة التي ما كانت تخلو منها أي دار فليست هي قاعة الحفلات ولا قصر المؤتمرات، فإذا ما قلنا بحضور مائة شخص في سقيفة بني ساعدة فذلك مبالغة منا حتى يفهم الباحث بأن المائة ألف لم يكونوا حاضرين ولا سمعوا حتى ما دار في السقيفة إلا بعد زمن بعيد فلم تكن هناك مواصلات جوية ولا هواتف لا سلكية ولا أقمار صناعية.
وبعد اتفاق هؤلاء الزعماء على تعيين أبي بكر ورغم معارضة سيد الأنصار سعد بن عبادة زعيم الخزرج وابنه قيس، إلا أن الأغلبية الساحقة (كما يقال اليوم) أبرمت العقد وتصافقت عليه في حين كان أغلب المسلمين غائبين عن السقيفة وكان بعضهم مشغولا بتجهيز الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو مذهولا بخبر موته وقد أرعبهم عمر بن الخطاب وخوفهم إن قالوا بموته (1).