سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة، قال عمر: وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا فإما بايعناهم على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فساد، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا ".
فالمسألة عند عمر ليست انتخابا واختيارا وشورى وإنما يكفي أن يبادر أحد المسلمين بالبيعة لتكون حجة على الباقين ولذلك قال لأبي بكر: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعه بدون مشورة ولا تريث خوفا من أن يسبق إليها أحد آخر، وقد عبر عمر عن هذا الرأي بقوله: خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا (خشي عمر أن يسبقه الأنصار فيبايعوا رجلا منهم) ويزيدنا وضوحا أكثر عندما يقول: فإما بايعناهم على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فساد (1).
وحتى نكون منصفين في الحكم ومدققين في البحث يجب علينا أن نعترف بأن عمر بن الخطاب غير رأيه في البيعة في آخر أيام حياته وذلك عندما جاءه رجل بمحضر عبد الرحمن بن عوف في آخر حجة حجها فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت. فغضب عمر، ولهذا قام في الناس خطيبا فور رجوعه إلى المدينة فقال من جملة ما قال في خطبته:
" إنه بلغني أن قائلا منكم يقول والله لو مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن أمرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ألا وإنها كانت كذلك ولكن الله وقى شرها.. (2) ثم يقول: من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا.. " (3).