على أن عبد الرحمن بن عوف ندم فيما بعد على اختياره، وغضب على عثمان واتهمه بخيانة العهد لما حدث في عهده ما حدث وجاءه كبار الصحابة يقولون له:
يا عبد الرحمن هذا عمل يديك. فقال لهم: ما كنت أظن هذا به ولكن لله علي أن لا أكلمه أبدا. ثم مات عبد الرحمن بن عوف وهو مهاجر لعثمان، حتى رووا أن عثمان دخل عليه في مرضه يعوده فتحول بوجهه إلى الحائط ولم يكلمه (1).
ثم كان بعد ذلك ما كان وقامت الثورة على عثمان وانتهت بقتله، ورجعت الأمة بعد ذلك لاختيار من جديد وفي هذه المرة اختاروا عليا، ولكن يا حسرة على العباد: فقد اضطربت الدولة الإسلامية وأصبحت مسرحا للمنافقين ولأعدائه المناوئين والمستكبرين والطامعين لارتقاء منصة الخلافة بأي ثمن وعلى أي طريق ولو بإزهاق النفوس البريئة، وقد تغيرت أحكام الله ورسوله على مر تلك السنين الخمس والعشرين ووجد الإمام علي نفسه وسط بحر لجي وأمواج متلاطمة وظلمات حالكة وأهواء جامعة وقضى خلافته في حروب دامية فرضت عليه فرضا من الناكثين والقاسطين والمارقين ولم يخرج منها إلا باستشهاده سلام الله عليه وهو يتحسر على أمة محمد وقد طمع فيها الطليق بن الطليق معاوية بن أبي سفيان وأضرابه كعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومروان بن الحكم وغيرهم كثيرون، وما جرا هؤلاء على ما فعلوه إلا فكرة الشورى والاختيار.
وغرقت أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم في بحر من الدماء، وتحكم في مصيرها سفهاؤها وأراذلها وتحولت الشورى بعد ذلك إلى الملك العضوض، إلى القيصرية والكسروية.
وانتهت تلك الفترة التي أطلقوا عليها اسم الخلافة الراشدة وبها سموا الخلفاء الأربعة بالراشدين والحق أنه حتى هؤلاء الأربعة لم يكونوا خلفاء بالانتخاب والشورى سوى أبي بكر وعلي، وإذا استثنينا أبا بكر لأن بيعته كانت