هذه الحادثة في صحيح البخاري، فإنه لن يثق بعد ذلك بأي رواية في هذا الصحيح. وبعضهم صدق هذه الرواية ولكنه لدى العلم بأن الخليفة عمر (رض) هو الذي أول من رمى الرسول صلى الله عليه وآله بالهجران غضب غضبا شديدا ورفض التصديق بذلك، بل وقرر عدم الوثوق بصحيح البخاري أو بأي من كتب الحديث التي تروي مثل هذه الروايات التي تسئ إلى السلف الصالح على حد رأيه!!
وسر الدهشة في هذه الحادثة هو أنه كان ينبغي على جميع الصحابة الحاضرين، أن يقدموا دون أدنى تأخير ما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله به حتى يكتب لهم الوصية الأخيرة التي كان مقدرا لها أن تتضمن ما من شأنه أن يأمن المسلمين بعده من الضلال لو التزموا وأطاعوا كما يظهر من الرواية هذه، ومن كان من أهل السنة ليتوقع أن آخر لقاء بين الرسول صلى الله عليه وآله وكبار الصحابة انتهى بطرده إياهم من مجلسه بعد أن ودعوه بتلك الكلمة المؤلمة والتي لا يحتمل لها سوى معنى واحد وقد ذكره النووي في شرحه على صحيح مسلم بأنه " الهذي " (1) والعياذ بالله، وكما ذكر الإمام شرف الدين: (وإذا تأملت في قول الرسول صلى الله عليه وآله: " آتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده " وقوله في حديث الثقلين: " إني قد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي " تعلم أن المقصود في الحديثين واحد، حيث أراد الرسول صلى الله عليه وآله في مرضه أن يكتب لهم تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين، ولكنه عدل عن الكتابة بعد كلمتهم تلك التي فاجؤوه بها اضطرته إلى العدول لئلا يفتح البعض بابا إلى الطعن في النبوة - إذ لم يبق أثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة والاختلاف من بعده في أنه هجر فيما كتبه - والعياذ بالله - أم لم يهجر، كما اختلفوا بذلك في حضرته كما يظهر من خلال الأحاديث السابقة، وقد اكتفوا