ثانيا: تخلف بعض الصحابة عن بعثة أسامة وطعنهم في إمارته:
من المعروف عند جميع المسلمين أن الرسول صلى الله عليه وآله عقد لأسامة بن زيد سرية لغزو الروم وهو ابن السابعة عشر عاما، وهي آخر السرايا على عهد الرسول صلى الله عليه وآله، ولم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسعد وأمثالهم، إلا وقد عبأه بالجيش (1) - وقد أجمع على هذه الحقيقة أهل السير والأخبار وهي من المسلمات - وأمر الرسول صلى الله عليه وآله أسامة بالمسير، إلا أنهم تثاقلوا في ذلك، وقد طعن بعضهم في تأميره عليهم، حتى غضب الرسول (ص) من طعنهم غضبا شديدا، فخرج معصب الرأس، وكان ذلك أثناء مرضه الأخير قبل وفاته بيومين، وصعد المنبر وقال كما أخرج البخاري بسنده عن ابن عمر (رض): " قال: أمر الرسول (ص) أسامة على قوم فطعنوا في إمارته، فقال: إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله، وأيم والله لقد كان خليقا للإمارة، وإن كان من أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده " (2) ثم حضهم على المسير بها والتعجيل في ذلك " إلا أنهم تباطؤوا مرة أخرى، وتوفي الرسول صلى الله عليه وآله قبل أن يبدأوا بالمسير.
ويستفاد من هذه الحادثة ما يلي:
1 - اجتهاد بعض الصحابة في موضع نص النبي صلى الله عليه وآله، حيث أنهم اعترضوا على تأمير أسامة عليهم لصغر سنه بالرغم في أن الرسول صلى الله عليه وآله قد عقد لواءه بيده، فإذا فهمنا هذه، فإنه لن يصعب علينا فهم كيفية وسبب اجتهادهم في مسائل أكبر كاستخلاف علي وإمامته كما سترى ذلك فيما بعد.