تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض) (1). فالفتح أنتج ثقافة لم تكن يوما من أهداف الفتح، وأيقظ غريزة العرب الجاهلية بعد ما سكنت بالتربية النبوية، والطريق الذي انتهى بالتباغض - كما مر في الحديث السابق -، امتد لينتهي بالبغي في حديث آخر يخبر فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالغيب عن ربه ويقول: (سيصيب أمتي داء الأمم، الأشر والبطر، والتكاثر، والتشاحن، والتباغض، والتحاسد، حتى يكون البغي) (2).
والطريق إلى البغي كان عليه أمراء لا يمتازون إلا بالسواعد القوية، وروي أن حذيفة قال لعمر بن الخطاب: (إنك تستعين بالرجل الفاجر، فقال له عمر: إني لأستعمله لأستعين بقوته، ثم أكون على قفائه) (3)، وقال في فتح الباري: (والذي يظهر من سيرة عمر في أمرائه الذين كان يؤمرهم في البلاد، أنه كان لا يراعي الأفضل في الدين فقط، بل يضم إليه الذي عنده مزيد من المعرفة بالسياسة، فلأجل هذا استخلف معاوية، والمغيرة بن شعبة، وعمروا بن العاص، مع وجود من هو أفضل منهم في أمر الدين والعلم) (4).
وذكر ابن حجر (أن عمر ولى إياس بن صبيح القضاء في البصرة، وكان إياس من أصحاب مسيلمة الكذاب) (5)، و (كتب عمر إلى الأمراء أن يشاوروا طليحة بن خويلد، وكان طليحة قد أسلم ثم ارتد ثم أسلم، وكان قد ادعى النبوة) (6)، وروي أن (ابن عدي الكلبي قال لعمر: أنا امرؤ نصراني، فقال