وهم الأنبياء ومن اتبعهم من القائمين بحدود الله وأوامره، المؤدين فرائض الله، ثم ذكر - سبحانه - الخلف: أي البدل السيئ، وقوله تعالى: (فخلف من بعدهم)، أي قام مقام أولئك الذين أنعم الله عليهم، وكانت طريقتهم الخضوع والخشوع لله بالتقدم إليه بالعبادة، قوم سوء أضاعوا الصلاة، وضياع الشئ: فساده أو افتقاده، ومعنى أنهم أضاعوا الصلاة: أي أفسدوها بالتهاون فيها والاستهانة بها، حتى تنتهي إلى أمثال اللعب بها والتغيير فيها والترك لها، فإذا كانوا قد فعلوا هذا بالصلاة فإنهم لما سواها من الواجبات أضيع، لأنها عماد الدين وقوامه، ثم أخبر - سبحانه - بأن القوم السوء الذين أضاعوا الصلاة، وهي الركن الأصيل في العبودية، واتبعوا الشهوات، هؤلاء سيلقون غيا: أي خسارة، وهذه العقوبة سنة ثابتة لا تتبدل ولا تتغير، يعاقب الله بها كل خلف طالح، وذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية، أن هذا الخلف في هذه الأمة أيضا (1) والخسارة التي توعد الله بها الخلف الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، يحمل أسبابها أمراء السوء وسبايا السوء الذين تربوا على القصص، وتسربت إليهم روح الأمم المستعلية الجبارة، فهؤلاء وغيرهم فتحوا أبواب القتال من أجل الملك، وعند نهاية القتال، وفي نهاية المسيرة كانت الخسارة عنوانا رئيسيا لكل شئ في عالم الاستدراج.
أما القتال على الملك، فيشهد به أبو برزة الأسلمي، روى البخاري عن أبي المنهال قال: (لما كان ابن زياد ومروان بالشام، ووثب ابن الزبير بمكة، ووثب القراء بالبصرة، انطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي، فقال أبي: يا أبا برزة، ألا ترى ما وقع فيه الناس؟ فقال: إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطا على أحياء قريش، إنكم - يا معشر العرب - كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة، وإن الله أنقذكم بالاسلام وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم،