ثم جاء عام ستين، وهو العام الذي حمل الصبيان أعلامه، وفيه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (تعوذوا بالله من رأس الستين ومن إمارة الصبيان) (1)، وقال:
(ويل للعرب من شر قد اقترب على رأس الستين تصير الأمانة غنيمة، والصدقة غرامة، والشهادة بالمعرفة، والحكم بالهوى) (2)، فرأس الستين تطوير للعربة التي تنطلق بوقود الرأي، ورأس الستين هو الوعاء الذي يصب فيه إماتة الصلاة من العهود التي سبقته، وينطلق منه وقود إضاعة الصلاة، وقراءة القرآن بلا تدبر، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخبر بالغيب عن ربه: (يكون خلف بعد ستين سنة، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، ثم يكون خلف يقرأون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق، وفاجر) (3)، وعن أبي سعيد قال: (المنافق كافر به، والفاجر يتأكل منه، والمؤمن يؤمن به) (4).
ومن الدلائل على أن جيل الستين أخذ وقوده ممن سبقه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر في حديث آخر بأن كثرة المال هي الخلفية الأساسية التي يتم عليها تفريخ هؤلاء، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (مما أتخوف على أمتي أن يكثر فيهم المال حتى يتنافسوا فيقتلون عليه، وإن مما أتخوف على أمتي أن يفتح لهم القرآن، حتى يقرأه المؤمن والكافر والمنافق) (5).
فالمال أنتج التنافس، والتحاسد والتدابر، والتباغض، والبغي، وفتح القرآن أمام العامة - مع عدم وجود العالم به - أدى إلى ترتيله في زحام الأسواق، حيث لا مستمع ولا منصت، ومن الأصاغر أخذ العلم الذي أدى