المسيرة كان هناك شبه انفصال بين الشعوب الإسلامية وحكامها، فكثير من الحكومات لم تكن تعبر عن شعوبها، وبينما كان الأمراء وأصحاب المقاعد الأولى في الدولة يضيعون الصلاة ويتبعون الشهوات، كانت الشعوب تختزن بداخلها الفطرة النقية ببركة وجود القرآن الكريم، ونحن في بحثنا هذا في المسيرة الإسلامية، لم نرصد إلا حركة أصحاب المقاعد الأولى ومن دار في فلكهم، أما حركة الأمة الإسلامية ورفضها للانحراف فإن لهذا موضعا آخر.
وحركة الدعوة الخاتمة في اتجاه الشعوب هي حركة المنقذ للفطرة من الانحراف والضلال، ولقد أعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفكرة الصحيحة الداعية للفتح الإسلامي، وبين أن الفتح ليس للقتل أو الانتقام، وإنما هو رحمة وشفقة على البلاد المفتوحة، ولتخليصها من نير العبودية، وتطبيق النظام الإسلامي الفطري فيها، ولم تكن الغنائم هي غاية الفتح، فالغنائم ليس لها أهمية تذكر بجانب هدف الفتح الأسمى، فرفع الظلم عن البلد المفتوح هو المقصد، سواء غنم الجيش أو لم يغنم، والإسلام ينظر إلى الغنيمة على أساس أنها من قبيل جوائز التشجيع على القتل في سبيل الله، لأن المقصود من الحرب الظفر على الأعداء، فإن غلبوا فقد حصل المطلوب، وتكون الأموال التي غنمها المقاتلون زيادة على أصل الغرض، ولما كانت الغنيمة حصيلة القتال في سبيل الله، وبما أن الله - تعالى - وضع أحكاما خاصة بالقتال في سبيله، فإنه - تعالى - قسم الغنيمة على الجيش المنتصر لرفع معنوياته، وترغيبا له بالتكرار. وبالجملة، الغنيمة زيادة على أصل الغرض الذي من أجله يقاتل الجيش، وهي ملك لله ورسوله، وتوضع حيثما أراد الله ورسوله.
واجتهد الصحابة في غنائم الحرب، فصب هذا الاجتهاد - في نهاية المطاف - في دائرة التنافس والتحاسد وغير ذلك، ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخبر بالغيب عن ربه في ما رواه مسلم عن عبد الله، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن بن عوف: كما أمرنا الله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أو غير ذلك،