ويروي الطبري أيضا أن الإمام علي سارع ببيعة أبي بكر ولزم مجلسه وهناك روايات أخرى تقول أنه بايع بعد ستة أشهر وبايع بعده شيعته من الصحابة.. (21) يقول الإمام: فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام.
يدعون إلى محق دين محمد (صلى الله عليه وسلم) فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدفا تكون المصيبة به علي أعظم من موت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السراب أو كما ينقشع السحاب. فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق واطمأن الدين وتنهنه.. (22) ومثل هذه الروايات التي تتحدث عن بيعة الإمام لأبي بكر سواء كانت قبل ستة شهور أو بعد هذه المدة أو حتى بعد دفن الرسول مباشرة. إنما تؤكد حقيقة واحدة وهي أن الإمام كان له موقف مما جرى بالسقيفة بشكل عام ومن أبي بكر وعمر بشكل خاص.
إن تسامح الإمام في أمر البيعة لا يعني تخليه عن موقفه الفكري والعقائدي تجاه هذا الخط القبلي الذي بدأت توضع قواعده أمامه. فهذا التسامح لا يخرج عن كونه موقفا سياسيا في مواجهة الأمر الواقع. فالإمام لم يتنازل عن قضيته ولكن تنازل عن شخصه من أجل حفظ قضيته التي تعكس الجوهر الحقيقي للإسلام..
لقد كان الإمام مخير بين أن يتنازل عن إمامته من أجل الحفاظ على الإسلام أو يصطدم الواقع وتكون النتيجة خسارة الإسلام وخسارة الإمامة فقد كانت جيوب المنافقين بالمجتمع المدني قوية وكانت القبلية مستشرية. هذا على مستوى الداخل.
أما على مستوى الخارج فكانت هناك قوى الروم والفرس تتربص بالمسلمين..
إن الانحراف في عصر أبي بكر لم يكن كبيرا إلى الحد الذي يستفز الإمام.
ويؤرقه. إنما الانحراف الأكبر برز في عصر عثمان. وهنا تغير موقف الإمام.