والنصيحة الرائعة، والكلمة اللامعة طريقها إلى عقولهم فأنارتها، وإلى قلوبهم فغسلت ما علاها من رين، فسمت أرواحهم، وانشرحت صدورهم، واطمأنت نفوسهم، فشكروا الله جل جلاله إذ منحوا هذا اللطف، وحمدوه تعالى إذ ميزوا بهذا التوفيق.
فالمتتبع للأخبار، والمتقصي للآثار، يقف على شخصيات تبهر العقول بمقولاتها، وتسلب اللب بمواقفها، وكيفية معالجتها للموقف الذي يجدون أنفسهم في خضمه... ففي لحظة من لحظات عمرهم يستوقفهم نداء الضمير، ويستصرخهم الحق، فلا يجدوا بدا " من الوقوف لحظات لإعادة تقييمهم لما اعتنقوه من فكر، أو مارسوه من فعل، أو أدوه من عمل، فتهتز أرواحهم، وتغلي مشاعرهم، ويحتدم الصراع بين جنود الحق والباطل، وقوى الخير والشر الكامنة في نفوسهم، ثم تعلن ساعة الصفر، ويحدث الانقلاب معلنا " عن ولادة روح جديدة، طاهرة من الدنس، خالية من كل شائبة كانت قد علقت بسبب هذا المبدأ، أو ذاك الفعل... هذا إذا كان إيمانها مستندا " على مبادئ رصينة، وواقفا " على أرضية من القيم متينة، وإلا فإن أوضح الدلائل الصادقة، وأقوى البراهين اللائقة لا تجدي نفعا " إذا كانت القلوب - والعياذ بالله - قد غلفها الرين فإذا هي كالحجارة أو أشد قسوة ﴿وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون﴾ (1).