وقد بدأ الاستشراق في الأندلس (أسبانيا) في القرن السابع الهجري، حين اشتدت حملة الصليبيين الأسبان على المسلمين فدعا (الفونس) ملك قشتالة مشيل سكوت ليقوم بالبحث في علوم المسلمين وحضارتهم، فجمع سكوت طائفة من الرهبان في بعض الأديرة بالقرب من مدينة طليطلة وشرعوا يترجمون بعض الكتب من اللغة العربية إلى لغة الفرنجة ثم قدمها سكوت لملك صقلية الذي أمر باستنساخ نسخ منها وبعث بها هدية إلى جامعة باريس.
وكذلك قام رئيس أساقفة طليطلة ريمون لول بنشاط كبير في الترجمة، ومع الزمن توسع الأوروبيون بالنقل والترجمة في مختلف الفنون والعلوم من إلهيات وطب وهندسة وفلك وغيرها، وبعد اختراع الطباعة أنشئت في أوروبا مطابع عربية لطبع عدد من الكتب التي كانت تدرس في المدارس والجامعات الأوروبية.
ولم يكن عمل المستشرقين منفصلا عن عمل المبشرين بل كانت مهمة كل من الطائفتين تدخل في الأخرى.
وكان فشل الصليبيين في حملاتهم المتوالية على الشرق الاسلامي دافعا للمزيد من الاهتمام بالثقافة الاسلامية، وقد ظهرت أخيرا وثيقة خطيرة تلقي الضوء على تحول الصليبيين من الغزو العسكري إلى الغزو الفكري، وهذه الوثيقة تتضمن وصية (القديس) لويس ملك فرنسا وقائد الحملة الصليبية الثامنة التي انتهت بالفشل والهزيمة ووقوع (لويس) في أسر المصريين في مدينة (المنصورة)، وقد بذل الملك لويس فدية عظيمة للخلاص من الأسر، وبعد أن عاد إلى فرنسا أيقن أنه لا سبيل إلى النصر والتغلب على المسلمين عن طريق القوة الحربية، لأن تدينهم بالاسلام يدفعهم للمقاومة والجهاد وبذل النفس في سبيل الله لحماية ديار الاسلام وصون الحرمات والأعراض به والمسلمون قادرون دوما للانطلاق من عقيدتهم إلى الجهاد ودحر الغزاة. وأنه لا بد من سبيل آخر، وهو تحويل التفكير الاسلامي وترويض المسلمين عن طريق الغزو الفكري. بأن يقوم العلماء الأوروبيون بدراسة الحضارة الاسلامية ليأخذوا منها السلاح الجديد الذي يغزون به (الفكر) الاسلامي، وهكذا تحولت المعركة من ميدان السلاح إلى معركة في ميدان العقيدة والفكر بهدف تزييف عقيدة المسلمين الراسخة التي تحمل طابع الجهاد وتدفع المؤمنين إلى الاستشهاد.
وقد سار الأوروبيون في طريق تنفيذ وصية القديس لويس في