إثبات حديث مدينة العلم ما نصه: " واعلم أن المشهور من لفظ الحديث في هذا المعنى: أنا مدينة العلم وعلي بابها. وقد تكلم النقاد فيه، وأصله من أبي الصلت وكان شيعيا، وقد تكلم فيه، وصحح هذا الحديث الحاكم، وحسنه الترمذي وضعفه آخرون، ونسبه إلى الوضع طائفة، ونحن ننقل ما ذكره علماؤنا في ذلك بعباراتهم، وإن كانت مشتملة على التكرار فنقول:
قال الشيخ مجد الدين الشيرازي اللغوي صاحب القاموس في نقد الصحيح: حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها، ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في الموضوعات من عدة طرق، وجزم ببطلان الكل، وقال مثل ذلك جماعة، وعندي في ذلك نظر كما سنبينه، والمشهور بروايته أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي عن أبي معاوية محمد بن خازم الضرير عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعبد السلام هذا ضعفوه جدا وأتهم بالرفض.
ومع ذلك فقد روى عباس بن محمد الدوري في سؤالاته عن يحيى بن معين أنه سأله عن أبي الصلت هذا فوثقه فقال: أليس قد حدث عن أبي معاوية: أنا مدينة العلم وعلي بابها؟ فقال: قد حدث به عن أبي معاوية محمد بن جعفر الفيدي. وكذلك روى صالح بن محمد الحافظ الملقب جزرة، وأبو الصلت أحمد ابن محمد بن محرز عن يحيى بن معين أيضا، وفي رواية أبي الصلت ابن محرز قال يحيى في هذا الحديث: هو من حديث أبي معاوية أخبرني ابن نمير قال حدث به أبو معاوية قديما ثم كف عنه، وكان أبو الصلت الهروي رجلا موسرا يطلب هذه الأحاديث ويكرم المشايخ - يعني فخصه أبو معاوية بهذا الحديث - فقد برئ عبد السلام عن عهدة هذا الحديث، وأبو معاوية الضرير حافظ يحتج بأفراده كابن عيينة وغيره، وليس هذا الحديث من الألفاظ المنكرة التي تأباها العقول بل هو مثل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أرأف أمتي أبو بكر الحديث.
وقد حسنه الترمذي وصححه غيره، ولم يأت من تكلم على حديث أنا مدينة العلم بجواب عن هذه الروايات الثابتة عن يحيى بن معين، والحكم عليه بالوضع باطل قطعا، وإنما أمسك أبو معاوية عن روايته شائعا لغرابته لا لبطلانه، إذ لو