لدرك الحقائق ممن كان له درك رائق وذهن فائق، كريم الشيم والسجايا، حسن الاسم والمسمى، وقد قرأ علي كتاب حكمة الاشراق للشيخ الأجل والحكيم الأكمل شهاب الدين السهروردي، وكنت أقرر له أثناء مباحثة هذا الكتاب طرفا من السوانح، وأملي عليه بعضا من اللوائح، أن أجمعها له في رسالة، فصار سؤاله سببا للإقدام على هذه الرسالة، فاجتمع مقاصدها في خاطري في أقرب من ساعة وكنت ذاهلا عن المقصد الأول إلى أن أتممته، فلما نظرت فيها بعد التمام، وجدتها بعينها هي التي كانت ترام، فتيقنت أن نفحات الأمداد فيها كانت تهب من باب مدينة العلم، وسفينة الجود المستوي على جودي الحكم والحلم على النبي وعليه الصلاة والسلام والتحية والاكرام، وسميتها بالزوراء، وهي اسم الدجلة، والمناسبة ظاهرة، مع ما فيه من التلويح إلى أن هذا الفيض من زيارة المشاهد المقدسة والمواقف المؤنسة، والله تعالى مناح الغيوب فتاح القلوب ".
وقال: " فاجعل ذلك هنا لك تكسر به صولة ما فر طبعك عنه في بدو النظر حتى يأتيك اليقين، وتتصعد إلى الأفق المبين، وترى بعين العيان ما يعجز عنه البيان، وتشرف على حقيقة قول سيدنا النبي المبعوث عليه السلام لتتميم سائر ما أتت به الأنبياء: النوم أخ الموت، وقول صاحب سره وباب مدينة علمه عليه السلام: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ".
ترجمته:
1 - السخاوي قائلا: " محمد بن أسعد مولانا جلال الدين الصديقي الدواني - بفتح المهملة وتخفيف النون نسبة لقرية من كازرون - الكازروني الشافعي القاضي بإقليم فارس، والمذكور بالعلم الكثير، ممن أخذ عن المحيوي اللاري وحسن ابن البقال، وتقدم في العلوم سيما العقليات، وأخذ عنه أهل تلك النواحي، وارتحلوا إليه من الروم وخراسان وما وراء النهر، وسمعت الثناء عليه من جماعة ممن أخذ عني، واستقر به السلطان يعقوب في القضاء، وصنف الكثير، من