وقال في الفصل السادس عشر ما نصه: " روى أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أرسل إلى معاوية رسله: الطرماح وجرير بن عبد الله البجلي وغيرهما قبل مسيره إلى صفين، وكتب إليه مرة بعد أخرى يحتج عليه ببيعة أهل الحرمين له وسوابقه في الاسلام، لئلا يكون بين أهل العراق وأهل الشام محاربة، ومعاوية يعتل بدم عثمان ويستغوي بذلك جهال أهل الشام وأجلاف العرب، ويستميل طلبة الدنيا والولايات، وكان يشاور في أثناء ذلك ثقاته وأهل مودته وعشيرته في قتال علي عليه السلام، فقال له أخوه عتبة: هذا أمر عظيم لا يتم إلا بعمرو بن العاص فإنه قريع زمانه في الدهاء والمكر، يخدع ولا يخدع، وقلوب أهل الشام مائلة إليه، فقال معاوية: صدقت ولكنه يحب عليا فأخاف أن لا يجيبني، فقال:
إخدعه بالأموال ومصر.
فكتب إليه معاوية: من معاوية بن أبي سفيان - خليفة عثمان بن عفان إمام المسلمين وخليفة رسول رب العالمين ذو النورين، ختن المصطفى على ابنتيه وصاحب جيش العسرة وبئر دومة، المعدوم الناصر الكثير الخاذل المحصور في منزله المقتول عطشا وظلما في محرابه المعذب بأسياف الفسقة - إلى عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقته وأمير عسكره بذات السلاسل، المعظم رأيه المفخم تدبيره:
أما بعد فلن يخفى عليك احتراق قلوب المؤمنين وما أصيبوا به من الفجيعة بقتل عثمان، وما ارتكب به جاره حسدا وبغيا بامتناعه من نصرته وخذلانه إياه، وإشلائه الغاغة عليه [واشيا العامة عليه] حتى قتلوه في محرابه، فيالها من مصيبة، عمت المسلمين وفرضت عليهم طلب دمه من قتلته، وأنا أدعوك إلى الحظ الأجزل من الثواب والنصيب الأوفر من حسن المآب، بقتال من آوى قتلة عثمان رضي الله عنه وأحله جنة المأوى.
فكتب إليه عمرو: من عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاوية بن أبي سفيان: أما بعد فقد وصل كتابك فقرأته وفهمته، فأما