ووقعت على الانفراد لم يطلق عليها ذلك، فيكون للاتصال من الحكم ما لا يكون للانفصال، ويكون الإشارة بقوله: " هذا وضوء " إلى أكثر الأفعال التي وقعت مما هي وضوء في نفسه، وإن يتخللها ما لا يسمى على الانفراد وضوءا، وهذا معروف في لغة العرب لا يتناكره منهم اثنان.
ألا ترى أنه يسمون الشئ باسم مجاوره، يستعيرون فيه اسم ما دخل في جملته، ويعبرون عنه بحقيقة اللفظ منه وإن تخلل أجزاءه ما ليس منه، ولا خلاف مع هذا بينهم أن السمات قد تطلق على الأشياء بحكم الأغلب، ويحكم عليها بالغلبة، وإن كان فيها ما ليس من الأغلب، وهذا يبين عن وجه الكلام عليك، وأنك ذهبت عنه مذهبا بعيدا.
فقال: لو جاز أن يعبر عن إماطة النجاسة عن الرجل بالوضوء، لجاز أن يعبر عن إماطتها عن الثوب بذلك، ويعبر عن السترة في الصلاة بذلك، ويعبر عن التوجه والقبلة بالوضوء، لأن الصلاة لا تتم إلا بذلك كما لا تتم إلا بإماطة النجاسة عن القدمين وغيرهما من الجسد، وهذا ما لا يقوله أحد.
فقال الشيخ رضي الله عنه: هذا أيضا كلام على غير ما اعتمدناه، ولو تأملت ما ذكرناه لأغناك عن تكلف هذا الخطاب، وذلك أنا لم نقل أن إماطة النجاسة عن القدمين بغسلهما يقال لهما وضوء، ولا حكمنا أن النبي (صلى الله عليه وآله) قصد ذلك بقوله: " هذا وضوء " ولا عناه، وإنما قلنا إنه عنى الوضوء المشروع مع دخول ما ليس من جنسه ونوعه.
وليس كذلك غسل الثوب، لأنه لا يدخل في جملة الوضوء، ولا يتخلل أجزاء الفعل منه، ولو اتفق دخوله بالعرض، وتخلل أجزاء الفعل منه لا سيما على أصلك في ترك موالاة الوضوء، لم يجز أن يعبر عن الوضوء وعنه جميعا بالعبارة