مناظرات في العقائد والأحكام - الشيخ عبد الله الحسن - ج ٢ - الصفحة ٣٠٢
منهم!!
ثم إن إلزام المسلمين وإجبارهم على أي شئ يجب أن يكون مستندا إلى نص من القرآن الحكيم أو حديث النبي الكريم (صلى الله عليه وآله)، وأنتم تجبرون المسلمين وتلزمونهم على أخذ أحكام دينهم من أحد الأئمة الأربعة من غير استناد إلى الله ورسوله، فعملكم هذا لا يكون إلا تحكما.
من الذي حصر المذاهب في أربعة (1) لقد سبق زعمكم أن التشيع مذهب سياسي (2)

(١) لا يخفى على من تأمل في نشأة المذاهب الإسلامية أنها كانت كثيرة جدا، ولم تكن محدودة بمذهب دون آخر، إلا أنها انقرضت ولم يبق منها إلا أربعة فقط، وهذا لا يعني - كما عند بعضهم - أنها أفضل المذاهب وأجودها، إذ أن هناك من علماء السلف أفضل بكثير من أصحاب هذه المذاهب الأربعة، إلا أنهم لم يقدر لهم البقاء، ولم تحالفهم الظروف كما حالفت هؤلاء الأربعة، والتي قضت باقتصار الفتيا واستنباط الأحكام الشرعية عليهم فقط لا على غيرهم، فذاع صيتهم في الأقطار واشتهرت مذاهبهم في الأمصار، حتى ألفها الناس فربى عليها الصغير وشاب عليها الكبير، ودرج الناس على ذلك في كل عهد حتى اعتبروا الخروج عنها أمرا غير مستساغ، مع أن هذا الشئ لم يحكم به حتى فقهاء المذاهب أنفسهم، فقد قال مالك بن أنس: إنما أنا بشر أصيب وأخطئ، فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة وقال أبو حنيفة: هذا رأيي، وهذا أحسن ما رأيت فمن جاء برأي غير هذا قبلناه، حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي. وقال الشافعي: إذا صح الحديث بخلاف قولي فاضربوا بقولي الحائط، وقال أحمد بن حنبل: من ضيق على الرجال أن يقلدوا الرجال، لا تقلد دينك الرجال فإنهم لن يسلموا من أن يغلطوا، وقيل له: لم لا تضع لأصحابك كتابا في الفقه؟ قال: ألأحد كلام مع الله ورسوله؟ وقال محي الدين بن العربي:
لا يجوز ترك آية أو خبر صحيح لقول صاحب أو إمام ومن يفعل ذلك فقد ضل ضلالا مبينا وخرج عن دين الله.
وبعد هذا كله تعرف أنهم لم يقسروا أحدا على تقليد مذهب معين أو عالم بعينه بدون النظر إلى الكتاب والسنة حتى جاء الخلفاء والولاة فلم يسمعوا لأحد مهما بلغ أمره ودرجته في العلم أن يتخطى أو يتجاوز هذا المربع الذي قضي أن يكون كتابا مفروضا، يقول أحمد أمين المصري: كان للحكومات دخل كبير في نصرة مذهب أهل السنة، والحكومات عادة إذا كانت قوية، وأيدت مذهبا من المذاهب تبعه الناس بالتقليد، وظل سندا إلى أن تدول الدولة. (ظهر الإسلام: ج ٤ ص ٩٦).
وقال الشعراني: لم يبلغنا أن أحدا من السلف أمر أحدا أن يتقيد بمذهب معين، ولو وقع ذلك منهم لوقعوا في الإثم، لتفويتهم العمل بكل حديث لم يأخذ به ذلك المجتهد الذي أمر الخلق باتباعه وحده، والشريعة حقيقة إنما هي مجموع ما بأيدي المجتهدين كلهم لا بيد مجتهد واحد، ومن أين جاء الوجوب والأئمة كلهم قد تبرأوا من الأمر باتباعهم، وقالوا: إذا بلغكم حديث فاعملوا به واضربوا بكلامنا الحائط.
أقول: وأين هؤلاء من الذين نص القرآن على عصمتهم، وجعلهم النبي (صلى الله عليه وآله) عدل الكتاب، وقال عنهم: أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى، وقال (صلى الله عليه وآله): النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس (انظر الصواعق المحرقة: ص ١٥٢).
وقال عنهم أيضا (صلى الله عليه وآله): إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن تبعتموهما وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي - وزاد الطبراني - إني سألت ذلك لهما فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم (انظر الصواعق: ص ١٥٠، والمعجم الكبير للطبراني: ج ٥ ص ١٨٦ ح ٤٩٧١ ط الدار العربية بغداد) فبعد هذه النصوص وغيرها الكثير هل ترى مسوغا لترك مذهب أهل البيت (عليهم السلام) الذي رسمه النبي (صلى الله عليه وآله) وتقديم غيرهم عليهم، وعدم الاعتبار حتى لرواياتهم وأحاديثهم وما عليك فقط إلا الرجوع إلى كتب الصحاح لتعرف مدى حرمان هذه الأمة من الاستفادة ممن نزل الكتاب في بيوتهم وحوته صدورهم، ولذا أخذنا معالم ديننا من آل محمد (صلى الله عليه وآله) الذين أوجب حقهم على الأمة، وفرض مودتهم عليها، وأردفهم بعد النبي (صلى الله عليه وآله) حتى في الصلاة عليه في الصلاة المفترضة، وإلا كانت باطلة لو تعمد أحد إغفالهم، فهل يا ترى لمن يتركهم حجة يوم القيامة؟! ومن أراد التوسع في معرفة أسباب نشأة المذاهب وشيوعها فليراجع:
1 - كتاب الإمام الصادق (عليه السلام) والمذاهب الأربعة للشيخ أسد حيدر: ج 1 ص 149 الخ.
2 - بحوث مع أهل السنة والسلفية للسيد مهدي الروحاني: ص 207 - 209.
(٣٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 التوسل بالأولياء ومسائل أخرى 5
2 المناظرة الأولى مناظرة الإمام الصادق عليه السلام مع أبي حنيفة في حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله 7
3 المناظرة الثانية مناظرة سلطان الواعظين مع الحافظ محمد رشيد في حكم التوسل 9
4 أقسام الشرك 12
5 الشرك الجلي 13
6 النذر عندنا 16
7 الشرك الخفي 18
8 الشرك في الأسباب 20
9 الشيعة نزيهون من أنواع الشرك 21
10 عقيدة الشيعة في التوسل 23
11 آل محمد صلى الله عليه وآله هم الوسيلة 25
12 حديث الثقلين 26
13 حول البخاري وصحيحه 27
14 النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في الصحيحين 30
15 احتياطات البخاري 32
16 بعض مصادر حديث الثقلين 34
17 حديث السفينة 35
18 المناظرة الثالثة مناظرة السيد علي البطحائي مع بعضهم في حكم التوسل بالأولياء عليهم السلام والجلوس حول القبور 43
19 حكم الخروج على أمير المؤمنين عليه السلام 47
20 المناظرة الرابعة مناظرة أم سلمة مع عائشة في حكم الخروج على أمير المؤمنين عليه السلام 49
21 المناظرة الخامسة مناظرة السيد علي البطحائي مع الشيخ رئيس الهيئة وبعض الأعضاء في حكم قتال معاوية لأمير المؤمنين عليه السلام 56
22 لعن معاوية 58
23 المناظرة السادسة مناظرة معتزلي مع بعضهم في حكم لعن معاوية 61
24 المناظرة السابعة مناظرة السيد عبد الله الشيرازي قدس سره مع بعض العلماء في حكم لعن معاوية ويزيد 65
25 المناظرة الثامنة مناظرة السيد محمد جواد المهري مع الأستاذ عمر الشريف في وجوب محبة أهل البيت عليهم السلام 73
26 المناظرة التاسعة مناظرة الدكتور التيجاني مع أحد الأصدقاء في حكم الصلاة والسلام على أهل البيت عليهم السلام 82
27 تقبيل ضريح النبي صلى الله عليه وآله والصلاة عنده 87
28 المناظرة العاشرة مناظرة السيد عبد الله الشيرازي مع بعضهم في حكم تقبيل ضريح النبي صلى الله عليه وآله 89
29 المناظرة الحادية عشر مناظرة السيد علي البطحائي مع الشيخ سيف في حكم تقبيل ضريح النبي صلى الله عليه وآله والصلاة عنده 92
30 بناء القبور وزيارتها 97
31 المناظرة الثانية عشر مناظرة أحد العلماء مع بعضهم في حكم بناء القبور 99
32 المناظرة الثالثة عشر مناظرة أحد العلماء مع رئيس دائرة الأمر بالمعروف في حكم زيارة مرقدي عبد المطلب وأبي طالب عليهما السلام 104
33 السجود على التربة الحسينية وإقامة العزاء 111
34 المناظرة الرابعة عشر مناظرة الشيخ الأنطاكي مع بعضهم في حكم السجود على التربة الحسينية وإقامة العزاء 113
35 المناظرة الخامسة عشر مناظرة السيد عبد الله الشيرازي مع بعض أهل العلم في حكم السجود على التربة الحسينية 126
36 المناظرة السادسة عشر مناظرة السيد عبد الله الشيرازي قدس سره مع رجل من أهل الفضل في حكم إقامة المآتم الحسينية 131
37 البكاء على الحسين عليه السلام 135
38 المناظرة السابعة عشر مناظرة السيد عبد الله الشيرازي قدس سره مع بعضهم في حكم البكاء على الحسين عليه السلام 137
39 المناظرة الثامنة عشر مناظرة السيد مصطفى العاملي مع رجل فلسطيني في حكم البكاء وإقامة العزاء على الحسين عليه السلام 142
40 المناظرة التاسعة عشر مناظرة الدكتور التيجاني مع السيد الصدر قدس سره في حكم الشهادة لأمير المؤمنين عليه السلام بالولاية والسجود على التربة والبكاء على الحسين عليه السلام 156
41 مسح الرجلين في الوضوء 163
42 المناظرة العشرون مناظرة الشيخ المفيد مع أبي جعفر النسفي العراقي في حكم مسح الرجلين في الوضوء 165
43 المناظرة الحادية والعشرون مناظرة للشيخ الكراجكي في حكم مسح الرجلين في الوضوء 177
44 الجمع بين الصلاتين 193
45 المناظرة الثانية والعشرون مناظرة التيجاني مع السيد الصدر قدس سره في حكم الجمع بين الصلاتين 195
46 المناظرة الثالثة والعشرون مناظرة السيد أحمد الفالي مع الأستاذ جمال في حكم الجمع بين الصلاتين 203
47 المناظرة الرابعة والعشرون مناظرة السيد مصطفى العاملي مع بعض الفلسطينيين في حكم الجمع بين الصلاتين 213
48 التقية 219
49 المناظرة الخامسة والعشرون مناظرة التيجاني مع أحد علماء السنة في حكم التقية 221
50 المتعة 225
51 المناظرة السادسة والعشرون مناظرة ابن عباس مع ابن الزبير في حكم المتعة 227
52 المناظرة السابعة والعشرون مناظرة شيخ من أهل البصرة مع يحيى بن أكثم في حكم المتعة 232
53 المناظرة الثامنة والعشرون مناظرة الشيخ المفيد مع شيخ من الإسماعيلية في حكم المتعة 234
54 المناظرة التاسعة والعشرون مناظرة الشيخ المفيد مع أبي القاسم الداركي في حكم المتعة 240
55 المناظرة الثلاثون مناظرة الشيخ المفيد وبعض الشيعة مع أبي القاسم الداركي أيضا في حكم المتعة 243
56 المناظرة الحادية والثلاثون مناظرة السيد عبد الله الشيرازي مع رجل من أهل الفضل في حكم المتعة 245
57 الطلاق ثلاثا 249
58 المناظرة الثانية والثلاثون مناظرة مؤمن الطاق مع أبي حنيفة في حكم الطلاق ثلاثا 251
59 المناظرة الثالثة والثلاثون مناظرة الشيخ المفيد مع أبي محمد بن المأمون في حكم الطلاق ثلاثا 255
60 صداق الزوجة 259
61 المناظرة الرابعة والثلاثون مناظرة أحد العلماء مع بعض الجامعيين حول صداق الزوجة 261
62 القياس في الشريعة الإسلامية 265
63 المناظرة الخامسة والثلاثون مناظرة الامام الصادق عليه السلام مع أبي حنيفة في حكم القياس 267
64 المناظرة السادسة والثلاثون مناظرة الشيخ المفيد مع أبي بكر الباقلاني وبعض المعتزلة في حكم القياس 271
65 المناظرة السابعة والثلاثون مناظرة الشيخ الكراجكي مع أحد فقهاء العامة في حكم القياس 277
66 فتح باب الاجتهاد 287
67 المناظرة الثامنة والثلاثون مناظرة الشيخ المفيد مع بعض فقهاء العامة في حكم الاجتهاد والتصويب 289
68 المناظرة التاسعة والثلاثون مناظرة الشيخ سليمان البحراني مع بعض فضلاء العامة في حكم فتح باب الاجتهاد 294
69 المناظرة الأربعون مناظرة سلطان الواعظين مع الحافظ محمد رشيد في حكم فتح باب الاجتهاد ووجوب التمسك بأهل البيت عليهم السلام 297
70 سد باب الاجتهاد عند العامة 298
71 انفتاح باب الاجتهاد عند الشيعة 300
72 من الذي حصر المذاهب في أربعة 302
73 الأئمة الأربعة 307
74 المناظرة الحادية والأربعون مناظرة السيد محمد تقي الحكيم مع بعض علماء الأزهر في حكم فتح باب الاجتهاد 311