أن حكمك به على كل وضوء يحدث ليس بمأخوذ من حقيقة الكلام، وإنما هو دعوى لا تثبت إلا ببرهان بناء في الخبر، ويكون خارجا عنه.
وذلك: أن قول النبي (صلى الله عليه وآله): " هذا " لا يقع على معدوم، ولا الإشارة به إلا إلى موجود، وإذا كان الأمر على ما ذكرناه، وجب أن يختص حكمه بنفس ذلك الوضوء الذي أشار إليه النبي (صلى الله عليه وآله)، ويكون المراد بالصلاة المذكورة معه ما يقام به دون ما عداها، فمن أين يخرج منه أن ما سوى هذا الوضوء مما يتجدد بفعل النبي (صلى الله عليه وآله)؟ أو يكون وضوءا لغيره؟ فحكمه حكمه؟ بقياس عليه، أو بحجة تعقل، أو بمفهوم اللفظ، وإذا لم يكن للقياس في هذا مجال، ولا للعقل فيه مدخل، ولم يفده اللفظ، لم يبق إلا الاقتراح فيه، والدعوى له بغير البرهان.
فقال أبو جعفر: قد ثبت أنه إذا كان حكم وضوء النبي (صلى الله عليه وآله) ذلك، وأن الله تعالى لا يقبل صلاته إلا به، وجب أن يكون حكم غيره كحكمه فيه، إذ ليس في الأمة من يفرق بين الأمرين، فزعم أن للنبي (صلى الله عليه وآله) وضوءا على انفراده، وللأمة وضوء على حياله.
فقال الشيخ: هذا ذهاب عن وجه الكلام الذي أوردناه عليك، مع استئنافك إياه، وانتقالك عما كنت معتمدا عليه في الخبر، ويكفي الخصم من خصمه، والنظر أن يضطره إلى الانتقال عن معتمده إلى غيره، وإظهار الرغبة إلى سواه.
والذي بعد فإن الذي طالبناك به هو أن يكون قوله (صلى الله عليه وآله): " هذا وضوء " إشارة إلى ذلك الشئ الواقع دون غيره من أمثاله.
ولم نسلم لك أن المراد به كل وضوء يحدثه النبي (صلى الله عليه وآله) في مستقبل الأوقات فيبنى الكلام على ذلك، ويستدل على مذهبك فيه بما خرجته من الإجماع، فيجب أن تأتي بفصل مما ألزمناك، وإلا فالكلام عليك متوجه مع انتقالك من دليل