شباب أهل الجنة، لا يمثلون بنظير، ويقصر عن بلوغ نعتهما وصف كل بليغ طلق ذليق، ومن البنات مثل العقيلة زينب جوهرة القدس والكمال والشرف والمنعة.
فلماذا تستاء عندئذ فاطمة من الحياة وهي بعد في عنفوان شبابها الغض لم تبلغ فناها، ولم تنل آمالها من الحياة؟ ولماذا تدعو وتسأل ربها أن يعجل لها وفاتها، وهي بعد لم تدرك مرارة الدنيا، وتفدي دونها كل تليد وطارف؟
ولماذا ترفع اليد عن حضانة أولادها، وتفرغ منهم حجرها، وترضى بيتمهم، وهم بعد ما شبوا وما زهوا؟ ولماذا تحب فراق بعلها، وتدع حبيبها أليف الأسى والهم والجوى، حزنه بعدها سرمد، وليله في فراقها مسهد؟ ولماذا ذلك الفرح والجذل من اقتراب الأجل ودنو الموت؟
إن كل هذه إلا تخلص من هول تلكم النوائب التي كانت تعلمها من أبيها الصادق الصدوق. ولم تك فاطمة (عليها السلام) تتصور لنفسها منجى ومرتجى وملجأ تثق بالطمأنينة لديها، وسكون الخاطر في حماها غير جوار ربها الكريم.
ماذا تصنع فاطمة بالحياة وهي ترى أباها (صلى الله عليه وآله وسلم) طيلة حياته حليفا للشجون؟
قد قضى حياته بعين عبرى، وقلب مكمد محزون، وزفرة وحسرة ولهفة دفينة بين جوانحه كمدا على أهل بيته، يقيم لحسينه المآتم من يوم ولادته ومن يوم كان رضيعا وفطيما وفتيا، وقد أتخذت بيوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دار حزن وبكاء منذ ولد ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسين العزيز، يأتي إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ملائكة ربه أفواجا وزرافات ووحدانا، حينا بعد حين، مرة بعد أخرى، بين فينة وفينة، ينعون الحسين، ويأتون إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) بتربته ممثلين بذلك مصرعه ومقتله.
ومن هنا سنتطرق إلى ذكر ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما يحل بعترته الطاهرة في (عليه السلام) كربلاء.
فقد أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن طريق الأمين جبرائيل بأن ولده الحسين (عليه السلام)