مرات، فتهيبنا رسول لله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن نسأله، فوثب الحسين على ظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فبكى فقال له: بأبي وأمي ما يبكيك؟ قال: يا أبت رأيتك تصنع شيئا ما رأيتك تصنع مثله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا بني سررت بكم اليوم سرورا لم أسر مثله قط، وإن حبيبي جبريل أتاني وأخبرني أنكم قتلى، وأن مصارعكم شتى، فأحزنني ذلك ودعوت الله لكم بالخيرة (1).
لكن على الرغم من تحذيرات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمته، ووصاياه المتكررة على التمسك بولاية أهل بيته، كيف خلفوه فيهم؟ لقد قتلوهم شر قتلة، وجهدوا في وضع الأحاديث الكاذبة في حقهم.
لكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يدرك تلك الحقيقة وما تؤول إليه عاقبة أهل بيته، فكان (صلى الله عليه وآله وسلم) مدة حياته يبدو الحزن والكآبة في أساريره، فكان منغص العيش يسر الزفرة، ويخفي الحسرة، ويجرع الغصة.. مهما وجد جوا صافيا يعالج لوعة فؤاده، ويطفي لهفة قلبه، ويخمد ثائرة الحزن بأن يضم أحدا من أهله إلى صدره، ويشمه ويقبله، ساكبا عبرته، باكي العينين، وفي لسانه ما يتسلى به خاطره.
فتراه يلتزم عليا سيد عترته وابن عمه وأبا ولده في قارعة الطريق ويقبله ويكرر قوله: بأبي الوحيد الشهيد. كما أخبرت بذلك السيدة عائشة أم المؤمنين فيما أخرجه عنها الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده، وأخذه عنه جمع من الأعلام.
وأخرج الحفاظ بأسانيدهم الصحيحة عن ابن عباس قال: خرجت أنا والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (رضي الله عنه) في حيطان المدينة، فمررنا بحديقة فقال علي (رضي الله عنه): ما أحسن هذه الحديقة يا رسول الله! فقال: حديقتك في الجنة أحسن منها. ثم أومأ بيده إلى رأسه ولحيته، ثم بكى حتى علا بكاؤه. قيل: ما يبكيك؟ قال: ضغائن في صدور