وكان من اجتماع القبائل بالبحرين وتحالفهم وتعاقدهم زمان ملوك الطوائف الذين ملكهم الإسكندر وفرق البلدان عند قتله دارا، إلى أن ظهر أردشير على ملوك الطوائف وهزمهم ودان له الناس وضبط الملك، فتطلعت أنفس من كان في البحرين من العرب إلى ريف العراق، وطمعوا في غلبة الأعاجم مما يلي بلاد العرب ومشاركتهم فيه، واغتنموا ما وقع بين ملوك الطوائف من الاختلاف، فأجمع رؤساؤهم على المسير إلى العراق، ووطن جماعة ممن كان معهم أنفسهم على ذلك.. ثم قدمت قبائل تنوخ على الاردوانيين (وهم ملوك الطوائف) فأنزلوهم الحيرة التي كان بناها بختنصر والأنبار، وأقاموا يدينون للعجم إلى أن قدمها تبع أبو كرب فخلف بها من لم تكن له نهضة فانضموا إلى الحيرة واختلطوا بهم.. فصار في الحيرة من جميع القبائل من مذحج وحمير وطئ وكلب وتميم، ونزل كثير من تنوخ الأنبار والحيرة إلى طف الفرات وغربيه، إلا أنهم كانوا بادية يسكنون المضال وخيم الشعر ولا ينزلون بيوت المدر، وكانت منازلهم بين الأنبار والحيرة فكانوا يسمون عرب الضاحية، فكان أول من ملك منهم في زمن ملوك الطوائف مالك بن فهم أبو جذعة الأبرش، وكان منزله مما يلي الأنبار، ثم مات فملك ابنه جذيمة الأبرش بن مالك بن فهم، وكان جذيمة من أفضل ملوك العرب رأيا وأبعدهم مغارا وأشدهم نكاية وأظهرهم حزما وهو أول من أجتمع له الملك بأرض العرب وغزا بالجيوش، وكان به برص وكانت العرب لا تنسبه إليه إعظاما له وإجلالا، فكانوا يقولون: جذيمة الوضاح وجذيمة الأبرش، وكانت دار مملكته الحيرة والأنبار وبقعة وهيت وعين التمر وأطراف البر إلى الغمير إلى القطقطانة وما وراء ذلك، يجبى إليه من هذه الأعمال الأموال وتفد عليه الوفود.
ونستدل بهذا الخبر على إمكان كون (الحائر) من وضع العرب في أيام الجاهلية، لأنه لا صلة لاشتقاقه بالقتل والفتك ولا بالاستشهاد ولا بالدفن حتى