قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني.
وفي لفظ عن أنس بن مالك: ثم وضع النبي رأسه على إحدى منكبي علي فبكى، فقال له: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها حتى أفارق الدنيا (1).
وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يستخفيه عن صبره وجلده، ويقول (صلى الله عليه وآله وسلم) له (عليه السلام): كيف صبرك إذا خضبت هذه من هذه؟ وأهوى بيده إلى لحيته ورأسه. فقال علي: أما بليت ما بليت فليس ذلك من طريق مواطن الصبر، وإنما هو من مواطن البشرى والكرامة (2).
فيتسلى (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك الكلام الطيب المعرب عن عظمة نفسيات علي (عليه السلام) ومبلغ تفانيه في الله تعالى.
وتراه يضم (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا محمد الحسن السبط إلى صدره ويقبله من فمه وسرته متيقنا بأن أحشاءه من فمه إلى سرته ستقطع بالسم النقيع، ويضم الحسين السبط إليه ويشمه ويقبله ويقبل منه مواضع السيوف والرماح والطعون، ويخص من جوارحه بالقبلة شفتيه، علما منه بأنهما ستضربان بالقضيب.
وأما الصديقة الطاهرة فإنها لما يخبرها أبوها (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنها أسرع لحوقا به من أهل بيته يسرها هذا النبأ وتأنس به، وإن هو إلا لعلمها بأن حياة آل محمد حفت بالمكاره والقوارع والطامات، ولولا الحذر والجزع من تلكم المصائب الهائلة النازلة بساحتهم فأي مسوغ للزهراء في استيائها من حياتها؟ وحياتها السعيدة هي أحسن حياة وأحلاها وأسعدها وأجملها وأعظمها فخرا، زوج في شاكلة أبيها في فضائله وفواضله، وأولاد من البنين مثل الحسنين ريحانتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيدي