كما أن مما لا شك فيه أيضا: أنه لا يكفي في الإيمان بالغيب أن يكون مجرد إحساس مبهم وغامض بوجود غوامض ومبهمات في بعض جوانب الحياة، ثم شعور بالعجز عن نيل تلك الغوامض، ومن ثم شعور بالخوف والخشية منها.
ولا يكفي أيضا في تحقق الإيمان، بحد ذاته، وبكل حالاته ومفرداته، غيبية كانت أو غيرها مجرد الحصول على قناعات فكرية جافة، ومعادلات رياضية، تستقر في عقل ووعي الإنسان ليرسم على أساس ذلك خريطة سلوكية، أو حياتية منفصلة عن الغيب، أو غير منسجمة أو متناغمة معه، لا يكفي هذا ولا ذاك، فإن الإيمان فعل اختياري، يتجدد، ويستمر حيث إن الله سبحانه قال: * (يؤمنون) * ولم يقل آمنوا، ليفيد بالفعل المضارع التجدد، والاستمرار أي أنهم يختارون هذا الإيمان، ويحدثونه، ويوجدونه، ويجسدونه باستمرار.
وإذا كان من الواضح أيضا: أن الخشية من المجهول، والاحساس المبهم بالأمور الغائبة عن حواسنا ليس إيمانا، بل هو ينافي الإيمان الذي هو عقد القلب على أمر، واحتضانه له بعطف وحنان، ومحبة وتفهم، ثم سكون هذا القلب إلى ما يحتضنه، واطمئنانه إليه، ومعه، ورضاه به، * (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) * و * (يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية) *.
إذا كان الأمر كذلك:
وحيث لا يمكن احتضان الفراغ ولا السكون إليه، أو الرضا به فلا بد من توفر الدلالة القريبة على ذلك الغامض، والتجسيد له في وعي الإنسان، لكي يخرج عن حالته الغيبية في الواقع الايماني والشعوري، ويصبح شهودا إيمانيا، وإن كان في واقعه وكينونته لا